الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

يقول تعالى: هذه السورة أنزلناها، فيه تنبيه على الاعتناء بها ولا ينفي ما عداها { وَفَرَضْنَاهَا } قال مجاهد: أي بينا الحلال والحرام والأمر والنهي والحدود، وقال البخاري: ومن قرأ { وَفَرَضْنَاهَا } يقول: فرضناها عليكم وعلى من بعدكم، { وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } أي مفسرات واضحات { لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } ، ثم قال تعالى: { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ } يعني هذه الآية الكريمة فيها حكم الزاني في الحد، وللعلماء فيه تفصيل، فإن الزاني لا يخلو إما أن يكون بكراً وهو الذي لم يتزوج، أو محصناً وهو الذي قد وطئ في نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل، فأما إذا كان بكراً لم يتزوج فإن حده مائة جلدة كما في الآية، ويزاد على ذلك أن يغرب عاماً عن بلده عند جمهور العلماء، خلافاً لأبي حنيفة رحمه الله فإن عنده أن التغريب إلى رأي الإمام إن شاء غرّب وإن شاء لم يغرب، وحجة الجمهور في ذلك ما ثبت في " الصحيحين " " في الأعرابيين اللذين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: يا رسول الله إن ابني هذا كان عسيفاً - يعني أجيراً - على هذا، فزنى بامرأته، فافتديت ابني منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله تعالى: الوليدة والغنم ردٌّ عليك، وعلى ابنك مائة جلدة وتغريب عام، واغد يا أنيس - لرجل من أسلم - إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها " فغدا عليها فاعترفت فرجمها " وفي هذا دلالة على تغريب الزاني مع جلد مائة إذا كان بكراً؛ فأما إذا كان محصناً فإنه يرجم، كما روى الإمام مالك.

عن ابن عباس أن عمر قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " أما بعد أيها الناس فإن الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده، فأخشى أن يطول بالناس زمان أن يقول قائل: لا نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضنوا بترك فريضة قد أنزلها الله، فالرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال ومن النساء إذا قامت البينة أو الحبل أو الاعتراف ". وفي رواية عنه: " ولولا أن يقول قائل أو يتكلم متكلم أن عمر زاد في كتاب الله ما ليس منه لأثبتها كما نزلت ". وقال ابن عمر: نبئت عن كثير بن الصلت قال: كنا عند مروان وفينا زيد فقال زيد بن ثابت: كنا نقرأ: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، قال مروان: ألا كتبتها في المصحف؟ قال: ذكرنا ذلك وفينا عمر بن الخطاب، فقال: أنا أشفيكم من ذلك، قال، قلنا: فكيف؟ قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكر كذا وكذا الرجم، فقال: يا رسول الله اكتب لي آية الرجم، قال: " لا أستطيع الآن " ، هذا أو نحو ذلك.

السابقالتالي
2 3