الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَآ إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ }

يقول تعالى مخبراً عن عبده ورسوله عيسى ابن مريم عليهما السلام أنه جعلهما آية للناس، أي حجة قاطعة على قدرته على ما يشاء، فإنه خلق آدم من غير أب ولا أم، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى، وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر، وخلق بقية الناس من ذكر وأنثى. وقوله: { وَآوَيْنَاهُمَآ إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } قال ابن عباس: الربوة المكان المرتفع من الأرض، وهو أحسن ما يكون فيه النبات، { ذَاتِ قَرَارٍ } يقول ذات خصب { وَمَعِينٍ } يعني ماء ظاهراً، وقال مجاهد: ربوة مستوية. وقال سعيد بن جبير { ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ }: استوى الماء فيها، وقال مجاهد وقتادة: { وَمَعِينٍ } الماء الجاري، ثم اختلف المفسرون في مكان هذه الربوة؟ فقال سعيد بن المسيب: هي دمشق، وعن ابن عباس { ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } قال: أنهار دمشق، وقال مجاهد { وَآوَيْنَاهُمَآ إِلَىٰ رَبْوَةٍ } قال: عيسى ابن مريم وأمه حين أويا إلى غوطة دمشق وما حولها، وقال عبد الرزاق عن أبي هريرة قال: هي الرملة من فلسطين، وأقرب الأقوال في ذلك ما رواه العوفي عن ابن عباس قال: المعين الماء الجاري وهو النهر الذي قال الله تعالى:قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً } [مريم: 24]، وكذا قال الضحاك وقتادة: إلى ربوة ذات قرار ومعين، هو بيت المقدس، فهذا والله أعلم هو الأظهر، لأنه المذكور في الآية الأخرى، والقرآن يفسر بعضه بعضاً، وهذا أولى ما يفسر به، ثم الأحاديث الصحيحة، ثم الآثار.