الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ قَالَ ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } * { إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّاحِمِينَ } * { فَٱتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ } * { إِنِّي جَزَيْتُهُمُ ٱلْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوۤاْ أَنَّهُمْ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ }

هذا جواب من الله تعالى للكفار إذا سألوا الخروج من النار، والرجعة إلى هذه الدار، يقول { ٱخْسَئُواْ فِيهَا } أي امكثوا فيها صاغرين مهانين أذلاء { وَلاَ تُكَلِّمُونِ } أي لا تعودوا إلى سؤالكم هذا فإنه لا جواب لكم عندي. قال ابن عباس { ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } قال: هذا قول الرحمٰن حين انقطع كلامهم منه. وروى ابن أبي حاتم: عن عبد الله بن عمرو قال: إن أهل جهنم يدعون مالكاً فلا يجيبهم أربعين عاماً، ثم يرد عليهم إنكم ماكثون، قال: هانت دعوتهم والله على (مالك) ورب مالك؛ ثم يدعون ربهم فيقولون:رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَآلِّينَ * رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ } [المؤمنون: 106-107] قال: فيسكت عنهم قدر الدنيا مرتين، ثم يرد عليهم: { ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } قال: فوالله ما نبس القوم بعدها بكلمة واحدة، وما هو إلا الزفير والشهيق في نار جهنم، قال: فشبهت أصواتهم بأصوات الحمير أولها زفير وآخرها شهيق، وقال عبد الله بن مسعود: إذا أراد الله تعالى أن لا يخرج منهم أحداً يعني من جهنم غيَّر وجوههم وألوانهم، فيجيء الرجل من المؤمنين فيشفع، فيقول: يا رب، فيقول الله من عرف أحداً فليخرجه، فيجيء الرجل من المؤمنين فينظر، فلا يعرف أحداً فيناديه الرجل: يا فلان أنا فلان. فيقول: ما أعرفك، قال: فعند ذلك يقولون:رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ } [المؤمنون: 107] فعند ذلك يقول الله تعالى: { ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } فإذا قال ذلك أطبقت عليهم النار فلا يخرج منهم أحد؛ ثم قال تعالى مذكراً لهم بذنوبهم في الدنيا وما كانوا يستهزئون بعباده المؤمنين وأوليائه، فقال تعالى: { إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّاحِمِينَ * فَٱتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً } أي فسخرتم منهم في دعائهم إياي وتضرعهم إلي { حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي } أي حملكم بغضهم على أن أنسيتم معاملتي { وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ } أي من صنيعهم وعبادتهم، كما قال تعالى:إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ } [المطففين: 29-30] أي يلمزونهم استهزاء؛ ثم أخبر تعالى عما جازى به أولياءه وعباده الصالحين، فقال تعالى: { إِنِّي جَزَيْتُهُمُ ٱلْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوۤاْ } أي على أذاكم لهم واستهزائكم بهم { أَنَّهُمْ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ } أي جعلتهم هم الفائزين بالسعادة والسلامة والجنة والنجاة من النار.