الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوۤاْ أَوْ مَاتُواْ لَيَرْزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } * { لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ } * { ذٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ }

يخبر تعالى، عمن خرج مهاجراً في سبيل الله ابتغاء مرضاته، وطلباً لما عنده وترك الأوطان والأهلين والخلان، وفارق بلاده في الله ورسوله ونصرة لدين الله { ثُمَّ قُتِلُوۤاْ } أي في الجهاد { أَوْ مَاتُواْ } أي حتف أنفهم من غير قتال على فرشهم، فقد حصلوا على الأجر الجزيل والثناء الجميل، كما قال تعالى:وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ } [النساء: 100]، وقوله: { لَيَرْزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ رِزْقاً حَسَناً } أي ليجرين عليهم من فضله ورزقه من الجنة ما تقر به أعينهم، { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ * لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ } أي الجنة، كما قال تعالى:فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ } [الواقعة: 88-89] فأخبر أنه يحصل له الراحة والرزق وجنة النعيم، كما قال هٰهنا: { لَيَرْزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ رِزْقاً حَسَناً } ، ثم قال: { لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَلِيمٌ } أي بمن يهاجر ويجاهد في سبيله وبمن يستحق ذلك، { حَلِيمٌ } أي يحلم ويصفح ويغفر لهم الذنوب، فأما من قتل في سبيل الله فإنه حي عند ربه يرزق، كما قال تعالى:وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } [آل عمران: 169]. والأحاديث في هذا كثيرة كما تقدم؛ وأما من توفي في سبيل الله فقد تضمنت هذه الآية الكريمة مع الأحاديث الصحيحة إجراء الرزق عليه، وعظيم إحسان الله إليه، قال ابن أبي حاتم عن ابن عقبة يعني أبا عبيدة بن عقبة قال، قال شرحبيل بن السمط: طال رباطنا وإقامتنا على حصن بأرض الروم، فمر بي سلمان يعني الفارسي رضي الله عنه فقال، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من مات مرابطاً أجرى الله عليه مثل ذلك الأجر، وأجرى عليه الرزق وأمن من الفتانين " واقرأوا إن شئتم { وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوۤاْ أَوْ مَاتُواْ لَيَرْزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ * لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ } وعن عبد الرحمٰن بن جحدم الخولاني أنه حضر (فضالة بن عبيد) في البحر مع جنازتين، أحدهما أصيب بمنجنيق والآخر توفي، فجلس فضالة بن عبيد عند قبر المتوفى، فقيل له: تركت الشهيد فلم تجلس عنده، فقال: ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت، إن الله يقول: { وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوۤاْ أَوْ مَاتُواْ لَيَرْزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ رِزْقاً حَسَناً } الآيتين، فما تبتغي أيها العبد إذا أدخلت مدخلاً ترضاه ورزقت رزقاً حسناً! والله ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت. وقوله: { ذٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ } الآية، نزلت في سرية من الصحابة لقوا جمعاً من المشركين في شهر محرم، فناشدهم المسلمون لئلا يقاتلوهم في الشهر الحرام، فأبى المشركون إلا قتالهم وبغوا عليهم، فقاتلهم المسلمون، فنصرهم الله عليهم { إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ }.