يخبر تعالى: أنه لم يزل ذبح المناسك وإراقة الدماء على اسم الله مشروعاً في جميع الملل، قال ابن عباس { مَنسَكاً }: عيداً، وقال عكرمة: ذبحاً، وقال زيد بن أسلم في قوله: { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً }: إنها مكة لم يجعل الله لأمة قط منسكاً غيرها، وقوله: { لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ } كما ثبت في " الصحيحين " عن أنس قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين فسمَّى وكبر ووضع رجله على صفاحهما. وقال الإمام أحمد بن حنبل عن زيد بن أرقم قال، قلت أو قالوا: " يا رسول الله ما هذه الأضاحي؟ قال: " سنة أبيكم إبراهيم " ، قالوا: ما لنا منها؟ قال: " بكل شعرة حسنة " ، قالوا: فالصوف؟ قال: " بكل شعرة من الصوف حسنة " ، وقوله: { فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ } أي معبودكم واحد وإن تنوعت شرائع الأنبياء ونسخ بعضها بعضاً، فالجميع يدعون إلى عبادة الله وحده لا شريك له،{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِيۤ إِلَيْهِ أَنَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ } [الأنبياء: 25]، ولهذا قال: { فَلَهُ أَسْلِمُواْ } أي أخلصوا واستسلموا لحكمه وطاعته، { وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ } قال مجاهد: المطمئنين، وقال الضحاك: المتواضعين، وقال السدي: الوجلين، وقال الثوري: المطمئنين الراضين بقضاء الله المستسلمين له، وأحسن ما يفسر بما بعده وهو قوله: { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } أي خافت منه قلوبهم، { وَٱلصَّابِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمْ } أي من المصائب، قال الحسن البصري: والله لنصبرن أو لنهلكن. { وَٱلْمُقِيمِي ٱلصَّلاَةِ } أي المؤدين حق الله فيما أوجب عليهم من أداء فرائضه، { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } أي وينفقون ما آتاهم الله من طيب الرزق على أهليهم وأقاربهم وفقرائهم ومحاويجهم، ويحسنون إلى الخلق مع محافظتهم على حدود الله.