الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ } * { حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ }

يقول تعالى: هذا الذي أمرنا به من الطاعات في أداء المناسك وما يلقى عليها من الثواب الجزيل، { وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ } أي ومن يجتنب معاصيه ومحارمه، { فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ } أي فله على ذلك خير كثير وثواب جزيل، فكما على فعل الطاعات ثواب كثير وأجر جزيل، كذلك على ترك المحرمات واجتناب المحظورات. قال مجاهد في قوله: { ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ } قال: المحرمات مكة والحج والعمرة وما نهى الله عنه من معاصيه كلها، وقوله: { وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُم } أي أحللنا لكم جميع الأنعام، وقوله: { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } أي من تحريمٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ } [المائدة: 3] الآية، قال ذلك ابن جرير وحكاه عن قتادة، وقوله: { فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ } ، أي اجتنبوا الرسج الذي هو الأوثان، وقرن الشرك بالله بقول الزور، كقوله:قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْيَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [الأعراف: 33] ومنه شهادة الزور. وفي " الصحيحين " عن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ لنا: بلى يا رسول الله قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين - وكان متكئاً فجلس - فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور " ؛ فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. وعن خريم بن فاتك الأسدي قال: " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح فلما انصرف قام قائماً، فقال: " عدلت شهادة الزور الإشراك بالله عز وجلَّ " ، ثم تلا هذه الآية: { فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ * حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ } ، وقوله: { حُنَفَآءَ للَّهِ }: أي مخلصين له الدين منحرفين عن الباطل قصداً إلى الحق ولهذا قال: { غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ } ثم ضرب للمشرك مثلاً في ضلاله وهلاكه وبعده عن الهدى، فقال: { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ } أي سقط منها، { فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ } أي تقطعه الطيور في الهواء، { أَوْ تَهْوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } أي بعيد، مهلك لمن هوى فيه، ولهذا جاء في حديث البراء: أن الكافر إذا توفته ملائكة الموت وصعدوا بروحه إلى السماء، فلا تفتح له أبواب السماء، بل تطرح روحه طرحاً من هناك، ثم قرأ هذه الآية: { فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ }.