الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }

يقول تعالى منكراً على الكفار في صدهم المؤمنين عن إتيان المسجد الحرام وقضاء مناسكهم فيه، { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } أي ومن صفتهم أنهم مع كفرهم يصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام، أي ويصدون عن المسجد الحرام من أراده من المؤمنين، الذين هم أحق الناس به في نفس الأمر، وقوله: { ٱلَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ } أي يمنعون عن الوصول إلى المسجد الحرام، وقد جعله الله للناس لا فرق بين المقيم فيه والنائي عنه البعيد الدار منه، { سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ } ، ومن ذلك استواء الناس في رباع مكة وسكناها، كما قال ابن عباس: ينزل أهل مكة وغيرهم في المسجد الحرام؛ وقال مجاهد: { سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ } أهل مكة وغيرهم فيه سواء في المنازل، وقال قتادة: سواء فيه أهله وغيره أهله؛ وهذه المسألة هي التي اختلف فيها الشافعي وإسحاق بن راهويه بمسجد الخيف وأحمد بن حنبل حاضر أيضاً. فذهب رحمه الله إلى أن رباع مكة تملك وتورث وتؤجر، واحتج بحديث الزهري " عن أسامه بن زيد قال، قلت: يا رسول الله أتنزل غداً في دارك بمكة؟ فقال: " وهل ترك لنا عقيل من رباع " ثم قال: " لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر " ، وبما ثبت أن عمر بن الخطاب اشترى من (صفوان بن أمية) داراً بمكة فجعلها سجناً بأربعة آلاف درهم، وذهب إسحاق بن راهويه إلى أنها لا تورث ولا تؤجر، وهو مذهب طائفة من السلف، واحتج إسحاق بن راهويه بما روي عن علقمة بن نضلة قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وما تدعى رباع مكة إلا السوائب من احتاج سكن ومن استغنى أسكن. وقال عبد الله بن عمرو: لا يحل بيع دور مكة ولا كراؤها، وكان عطاء ينهى عن الكراء في الحرم. وقال عمر بن الخطاب: يا أهل مكة لا تتخذوا لدوركم أبواباً لينزل البادي حيث يشاء، وروى الدارقطني عن عبد الله بن عمرو موقوفاً: " من أكل كراء بيوت مكة أكل ناراً " ، وتوسط الإمام أحمد فقال: تملك وتورث ولا تؤجر جمعاً بين الأدلة والله أعلم.

وقوله تعالى: { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } قال بعض المفسرين: الباء هٰهنا زائدة، كقوله:تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ } [المؤمنون: 20] أي تنبت الدهن، وكذا قوله: { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ } تقديره إلحاداً. والأجود أنه ضمن الفعل هٰهنا معنى يهم، ولهذا عداه بالباء فقال: { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ } أي يهم فيه بأمر فظيع من المعاصي الكبار، وقوله: { بِظُلْمٍ } أي عامداً قاصداً أنه ظلم ليس بمتأول، وقال ابن عباس: بظلم بشرك، وقال مجاهد: أن يعبد فيه غير الله، وكذا قال قتادة وغير واحد.

السابقالتالي
2