الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } * { لَوْ كَانَ هَـٰؤُلاۤءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ } * { لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } * { لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا ٱشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ } * { لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ هَـٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }

يقول تعالى: مخاطباً لأهل مكة من مشركي قريش { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } قال ابن عباس: أي وقودها، يعني كقوله:وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ } [البقرة: 24]. وفي رواية قال: { حَصَبُ جَهَنَّمَ } يعني حطب جهنم. وقال الضحّاك { حَصَبُ جَهَنَّمَ }: أي ما يرمى به فيها، والجميع قريب، وقوله: { أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ }: أي داخلون، { لَوْ كَانَ هَـٰؤُلاۤءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا } يعني لو كانت هذه الأصنام والأنداد آلهة صحيحة لما وردوا النار وما دخلوها، { وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ }: أي العابدون ومعبوداتهم كلهم فيها خالدون، { لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ } كما قال تعالى:لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ } [هود: 106]، والزفير: خروج أنفاسهم، والشهيق ولوج أنفاسهم { وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ } ، قال ابن أبي حاتم، عن ابن مسعود: إذا بقي من يخلد في النار جعلوا في توابيت من نار فيها مسامير من نار، فلا يرى أحد منهم أنه يعذب في النار غيره، ثم تلا عبد الله: { لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ } ، وقوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ } قال عكرمة: الرحمة، وقال غيره: السعادة { أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ }. لما ذكر تعالى أهل النار وعذابهم بسبب شركهم بالله، عطف بذكر السعداء من المؤمنين بالله ورسوله، وهم الذين سبقت لهم من الله السعادة وأسلفوا الأعمال الصالحة في الدنيا كما قال تعالى:لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } [يونس: 26]، وقال:هَلْ جَزَآءُ ٱلإِحْسَانِ إِلاَّ ٱلإِحْسَانُ } [الرحمن: 60]، فكما أحسنوا العمل في الدنيا أحسن الله مآبهم وثوابهم ونجاهم من العذاب وحصل لهم جزيل الثواب، فقال: { أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا } أي حريقها في الأجساد، عن أبي عثمان { لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا } قال: حيات على الصراط تلسعهم، فإذا لسعتهم قال حس حس، وقوله: { وَهُمْ فِي مَا ٱشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ } فسلمهم من المحذور والمرهوب، وحصل لهم المطلوب والمحبوب.

قال ابن عباس: { أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } فأولئك أولياء الله يمرون على الصراط مراً هو أسرع من البرق، ويبقى الكفّار فيها جثياً، فهذا مطابق لما ذكرناه. وقال آخرون: بل نزلت استثناء من المعبودين، وخرج منهم عزير والمسيح كما قال ابن عباس { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } ، ثم استثنى، فقال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ } فيقال: هم الملائكة وعيسى نحو ذلك مما يعبد من دون الله عزّ وجلّ، وقال الضحّاك عن ابن عباس في قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ } قال: نزلت في عيسى ابن مريم وعزير عليهما السلام. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد { أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } قال: عيسى وعزير والملائكة، وقال الضحّاك: عيسى ومريم والملائكة والشمس والقمر. والآية إنما نزلت خطاباً لأهل مكة في عبادتهم الأصنام التي هي جماد لا تعقل ليكون ذلك تقريعاً وتوبيخاً لعابديها، ولهذا قال: { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } فكيف يورد على هذا المسيح والعزير ونحوهما ممن له عمل صالح ولم يرض بعبادة من عبده؟ وعول ابن جرير في تفسيره في الجواب على أن (ما) لما لا يعقل عند العرب.

السابقالتالي
2