الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يٰسَامِرِيُّ } * { قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } * { قَالَ فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي ٱلْيَمِّ نَسْفاً } * { إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً }

يقول موسى عليه السلام للسامري: ما حملك على ما صنعت؟ وما الذي عرض لك حتى فعلت ما فعلت؟ عن ابن عباس قال: كان السامري رجلاً من أهل باجر، وكان من قوم يعبدون البقر وكان حب عبادة البقر في نفسه، وكان قد أظهر الإسلام مع بني إسرائيل، وكان اسمه (موسى بن ظفر)، وفي رواية عن ابن عباس أنه كان من كرمان، وقال قتادة: كان من قرية سامرا، { قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ }: أي رأيت جبريل حين جاء لهلاك فرعون { فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ } اي من أثر فرسه، هذا هو المشهور عند كثير من المفسرين، أو أكثرهم، وقال مجاهد: من تحت حافر فرس جبريل، قال: والقبضة ملء الكف، والقبضة بأطراف الأصابع، قال مجاهد: نبذ السامري، أي ألقى ما كان في يده على حلية بني إسرائيل، فانسبك عجلاً جسداً له خوار، حفيف الريح فيه فهو خواره. وقال ابن أبي حاتم، عن عكرمة: إن السامري رأى الرسول فألقى في روعه أنك إن أخذت من أثر هذا الفرس قبضة فألقيتها في شيء فقلت له كن فكان، فقبض قبضة من أثر الرسول فيبست أصابعه على القبضة، فلما ذهب موسى للميقات، وكان بنو إسرائيل قد استعاروا حلى آل فرعون، فقال لهم السامري: إن ما أصابكم من أجل هذا الحلي، فاجمعوه فجمعوه، فأوقدوا عليه فذاب، فرآه السامري، فألقي في روعه: أنك لو قذفت هذه القبضة في هذه، فقلت كن فكان، فقذف القبضة وقال: كن فكان عجلاً جسداً له خوار، فقالهَـٰذَآ إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ } [طه: 88]، ولهذا قال { فَنَبَذْتُهَا } أي ألقيتها مع من ألقى، { وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي }: أي حسنته وأعجبها إذ ذاك { قَالَ فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ }: أي كما أخذت ومسست ما لم يكن لك أخذه ومسه من أثر الرسول، فعقوبتك في الدنيا أن تقول لا مساس، أي لا تماس الناس ولا يمسونك، { وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً } أي يوم القيامة { لَّن تُخْلَفَهُ } أي لا محيد لك عنه. وقال قتادة { أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ } قال: عقوبة لهم، وبقاياهم اليوم يقولون لا مساس: وقوله { وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ } قال الحسن: لن تغيب عنه. وقوله { وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ } أي معبودك { ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً } أي أقمت على عبادته يعني العجل، { لَّنُحَرِّقَنَّهُ } قال السدي: سحلة بالمبارد وألقاه على النار، وقال قتادة استحال العجل من الذهب لحماً ودماً، فحرقه بالنار، ثم ألقى رماده في البحر، ولهذا قال: { ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي ٱلْيَمِّ نَسْفاً }. وقوله تعالى: { إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً } يقول لهم موسى عليه السلام. ليس هذا إلهكم إنما إلهكم الله الذي لا يستحق ذلك على العباد إلاّ هو، ولا تنبغي العبادة إلاّ له، فإن كل شيء فقير إليه عبد له، وقوله: { وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً } أي هو عالم بكل شيء، أحاط بكل شيء علماً وأحصى كل شيء عدداً، فلا يعزب عنه مثقال ذرة، كما قال تعالى:وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } [هود: 6] والآيات في هذا كثيرة جداً.