الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ يٰمُوسَىٰ } * { إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى } * { وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىۤ } * { إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ فَٱعْبُدْنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ } * { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ } * { فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ }

يقول تعالى { فَلَمَّآ أَتَاهَا } أي النار واقترب منها { نُودِيَ يٰمُوسَىٰ } ، وفي الآية الأخرى:نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِي ٱلأَيْمَنِ فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ } [القصص: 30]، وقال: هٰهنا: { إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ } أي الذي يكلمك ويخاطبك { فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ } قيل: كانتا من جلد حمار غير ذكي، وقيل: إنما أمره بخلع نعليه تعظيماً للبقعة، قال سعيد بن جبير: كما يؤمر الرجل أن يخلع نعليه إذا أراد أن يدخل الكعبة، وقيل ليطأ الأرض المقدسة بقدميه حافياً غير منتعل، وقيل غير ذلك، والله أعلم. وقوله { طُوًى } قال ابن عباس: هو اسم للوادي، وكذا قال غير واحد، وقيل: عبارة عن الأمر بالوطء بقدميه، والأول أصح كقولهإِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى } [النازعات: 16]، وقوله: { وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ } ، كقوله:إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي } [الأعراف: 144] أي على جميع الناس من الموجودين في زمانه، وقد قيل: إن الله تعالى قال: يا موسى أتدري لم اختصصتك بالتكليم من بين الناس؟ قال: لا، قال: لأني لم يتواضع إليَّ أحد تواضعك، وقوله: { فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىۤ } أي واستمع الآن ما أقول لك، وأوحيه إليك { إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ } ، هذا أول واجب على المكلفين أن يعلموا أنه لا إلٰه إلاّ الله وحده لا شريك له، وقوله { فَٱعْبُدْنِي } أي وحّدني وقم بعبادتي من غير شريك، { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ } قيل معناه: صلّ لتذكرني، وقيل معناه: وأقم الصلاة عند ذكرك لي، ويشهد لهذا الثاني ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله تعالى قد قال: وأقم الصلاة لذكري " وفي " الصحيحين " عن أنس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من نام عن صلاة أو نسيها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلاّ ذلك ".

وقوله تعالى: { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ }: أي قائمة لا محالة وكائنة لا بد منها. وقوله { أَكَادُ أُخْفِيهَا } قال ابن عباس: أي لا أطلع عليها أحداً غيري، وقال السدي: ليس أحد من أهل السماوات والأرض إلاّ قد أخفى الله تعالى عنه علم الساعة، وهي في قراءة ابن مسعود: إني أكاد أخفيها من نفسي، يقول: كتمتها من الخلائق، حتى لو استطعت أن أكتمها من نفسي لفعلت. قال قتادة: لقد أخفاها الله من الملائكة المقربين ومن الأنبياء والمرسلين، قلت وهذا كقوله تعالى:قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وٱلأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ } [النمل: 65]، وقال:ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً } [الأعراف: 187] أي ثقل علمها على أهل السماوات والأرض. وقوله سبحانه وتعالى: { لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ } أي أقيمها لا محالة؛ لأجزي كل عامل بعملهفَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } [الزلزلة: 7-8]،إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [الطور: 16]، وقوله: { فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا } الآية. المراد بهذا الخطاب آحاد المكلفين، أي لا تتبعوا سبيل من كذب بالساعة، وأقبل على ملاذه في دنياه وعصى مولاه، واتبع هواه، فمن وافقهم على ذلك فقد خاب وخسر { فَتَرْدَىٰ }: أي تهلك وتعطب، قال الله تعالى:وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ } [الليل: 11].