الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّٰيَ فَٱرْهَبُونِ } * { وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَٰتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ }

يأمر تعالى بني إسرائيل بالدخول في الإسلام، ومتابعة محمد عليه من الله أفضل الصلاة والسلام، ومهيجاً لهم بذكر أبيهم (إسرائيل) وهو نبي الله يعقوب عليه السلام، وتقديره: يا بني العبد الصالح المطيع لله، كونوا مثل أبيكم في متابعة الحق، كما تقول: يا ابن الكريم افعل كذا؛ يا ابن الشجاع بارز الأبطال؛ يا ابن العالم اطلب العلم، ونحو ذلك. ومن ذلك أيضاً قوله تعالى:ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً } [الإسراء: 3]. فإسرائيل هو يعقوب بدليل ما رواه ابن عباس قال: حضرت عصابة من اليهود نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: " " هل تعلمون أن إسرائيل يعقوب "؟، قالوا: اللهم نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم اشهد " " وعن ابن عباس: أن إسرائيل كقولك عبد الله.

وقوله تعالى: { ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } قال مجاهد: نعمة الله التي أنعم بها عليهم فيما سمى وفيما سوى ذلك أن فجَّر لهم الحجر، وأنزل عليهم المن والسلوى، ونجّاهم من عبودية آل فرعون. وقال أبو العالية: نعمته أن جعل منهم الأنبياء والرسل، وأنزل عليهم الكتب. قلت: وهذا كقول موسى عليه السلام لهم:يَاقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن ٱلْعَٱلَمِينَ } [المائدة: 20] يعني في زمانهم. وقال محمد بن إسحاق عن ابن عباس في قوله تعالى: { ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } أي بلائي عندكم وعند آبائكم لما كان نجّاهم من فرعون وقومه، { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } ، قال: بعهدي الذي أخذت في أعناقكم للنبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءكم، أنجزْ لكم ما وعدتكم عليه من تصديقه واتباعه، بوضع ما كان عليكم من الآصار والأغلال التي كانت في أعناقكم بذنوبكم التي كانت من أحداثكم. وقال الحسن البصري: هو قوله تعالى:وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ ٱلزَّكَاةَ وَآمَنتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [المائدة: 12] الآية. وقال آخرون: هو الذي أخذ الله عليهم في التوراة أنه سيبعث من بني إسماعيل نبياً عظيماً يطيعه جميع الشعوب والمراد به محمد صلى الله عليه وسلم، فمن اتبعه غفر الله له ذنبه وأدخله الجنة وجعل له أجرين. وقد أورد الرازي بشارات كثيرة عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بمحمد صلى الله عليه وسلم.

وقال أبو العالية { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ } ، قال: عهده إلى عباده دين الإسلام وأن يتبعوه. وقال الضحّاك { أُوفِ بِعَهْدِكُمْ }: أرضَ عنكم وأدخلكم الجنة، وقوله تعالى: { وَإِيَّايَ فَٱرْهَبُونِ } أي فاخشون، وقال ابن عباس: في قوله تعالى: { وَإِيَّايَ فَٱرْهَبُونِ } أي أن أنزل بكم ما أنزلت بمن كان قبلكم من آبائكم من النقمات التي قد عرفتم من المسخ وغيره، وهذا انتقال من الترغيب إلى الترهيب، فدعاهم إليه بالرغبة والرهبة، لعلهم يرجعون إلى الحق واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والاتعاظ بالقرآن وزواجره، وامتثال أوامره وتصديق أخباره، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، ولهذا قال: { وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ } يعني به القرآن الذي أنزل على محمدٍ صلى الله عليه وسلم النبي الأمي العربي بشيراً ونذيراً وسراجاً منيراً، مشتملاً على الحق من الله تعالى مصدقاً، لما بين يديه من التوراة والإنجيل.

السابقالتالي
2 3