الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ } * { فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَٰنُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ }

يبين الله تعالى إخباراً عما أكرم به آدم، بعد أن أمر الملائكة بالسجود له فسجدوا إلا إبليس أنه أباحه الجنة يسكن منها حيث يشاء ويأكل منها ما شاء (رغداً) أي هنيئاً واسعاً، طيباً. وقد اختلف في الجنة التي أسكنها آدم هي في السماء أم في الأرض؟ فالأكثرون على الأول، وحكى القرطبي عن المعتزلة والقدرية القول بأنها في الأرض، وسيأتي تقرير ذلك في سورة الأعراف إن شاء الله تعالى، وسياق الآية يقتضي أن حواء خلقت قبل دخول آدم الجنة، ويقال: إن خلق حواء كان بعد دخول الجنة كما قال السدي في خبر ذكره عن ابن عباس وعن ناس من الصحابة " أخرج إبليس من الجنة وأسكن آدم الجنة، فكان يمشي فيها وحيداً ليس له زوج يسكن إليه، فنام نومة فاستيقظ وعند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه، فسألها: ما أنت؟ قالت: امرأة، قال: ولم خلقت؟ قالت: لتسكن إليّ، قالت له الملائكة ينظرون ما بلغ من علمه: ما اسمها يا آدم؟ قال: حواء، قالوا: ولمَ حواء؟ قال: إنها خلقت من شيء حي ".

وأما قوله: { وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ } فهو اختبار من الله تعالى وامتحان لآدم. وقد اختلف في هذه الشجرة ما هي؟ فقال السدي عن ابن عباس: الشجرة التي نهي عنها آدم عليه السلام هي الكرم، وتزعم يهود أنها الحنطة. وقال ابن جرير عن ابن عباس: الشجرة التي نهي عنها آدم عليه السلام هي السنبلة، وقال ابن جرير بسنده: حدثني رجل من بني تميم أن ابن عباس كتب إلى أبي الجلد يسأله عن الشجرة التي أكل منها آدم، والشجرة التي تاب عندها آدم، فكتب إليه أبو الجلد: سألتني عن الشجرة التي نهي عنها آدم وهي السنبلة، وسألتني عن الشجرة التي تاب عندها آدم وهي الزيتونة. وقال سفيان الثوري عن أبي مالك { وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ }: النخلة، وقال ابن جرير عن مجاهد { وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ }: التينة.

قال الإمام العلاّمة أبو جعفر بن جرير رحمه الله: والصواب في ذلك أن يقال: إن الله عزّ وجلّ ثناؤه نهى آدم وزوجته عن أكل شجرة بعينها من أشجار الجنة دون سائر أشجارها فأكلا منها، ولا علم عندنا بأي شجرة كانت على التعيين، لأن الله لم يضع لعباده دليلاً على ذلك في القرآن ولا من السنّة الصحيحة. وقد قيل: كانت شجرة البر، وقيل: كانت شجرة العنب، وقيل: كانت شجرة التين. وجائز أن تكون واحدة منها وذلك عِلْمٌ إذا عُلِم لم ينفع العالم به علمه، وإن جهله جاهل لم يضره جهله به والله أعلم.

وقوله تعالى: { فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَانُ عَنْهَا } يصح أن يكون الضمير في قوله: { عَنْهَا } عائداً إلى الجنة، فيكون معنى الكلام فأزلهما أي فنحاهما، ويصح أن يكون عائداً على أقرب المذكورين وهو الشجرة فيكون معنى الكلام فأزلهما أي من قبل الزلل، فعلى هذا يكون تقدير الكلام { فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَانُ عَنْهَا } أي بسببها، كما قال تعالى:

السابقالتالي
2