الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ }

وهذه كرامة عظيمة من الله تعالى لآدم امتَنَّ بها على ذريته، حيث أخبر أنه تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم، وقد دل على ذلك أحاديث أيضاً كثيرة منها حديث الشفاعة المتقدم، وحديث موسى عليه السلام: " رب أرني آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة، فلمّا اجتمع به قال: أنت آدم الذي خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته؟ " قال وذكر الحديث كما سيأتي إن شاء الله.

والغرض أن الله تعالى لما أمر الملائكة بالسجود لآدم دخل إبليس في خطابهم، لأنه وإن لم يكن من عنصرهم إلا أنه كان قد تشبه بهم وتوسم بأفعالهم، فلهذا دخل في الخطاب لهم وذم في مخالفة الأمر.

قال طاووس عن ابن عباس: كان إبليس قبل أن يركب المعصية من الملائكة اسمه (عزازيل) وكان من سكان الأرض، وكان من أشد الملائكة اجتهاداً، وأكثرهم علماً، فذلك دعاه إلى الكبر، وكان من حيٍّ يسمون جناً. وقال سعيد بن المسيب: كان إبليس رئيس ملائكة سماء الدنيا. وقال ابن جرير عن الحسن: ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط وإنه لأصل الجن، كما أن آدم أصل الإنس، وهذا إسناد صحيح عن الحسن. وقال شهر بن حوشب: كان إبليس من الجن الذين طردتهم الملائكة فأسره بعض الملائكة فذهب به إلى السماء، رواه ابن جرير، وعن سعد بن مسعود قال: كانت الملائكة تقاتل الجن فسبي إبليس وكان صغيراً فكان مع الملائكة يتعبد معها فلما أُمروا بالسجود لآدم سجدوا فأبى إبليس فلذلك قال تعالى:إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ } [الكهف: 50]. وقال أبو جعفر: { وَكَانَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } يعني من العاصين. قال قتادة في قوله تعالى: { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ }: فكانت الطاعة لله والسجدة لآدم، أكرم الله آدم أن أسجد له ملائكته، وقال بعض الناس: كان هذا سجود تحية وسلام وإكرام كما قال تعالى:وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً } [يوسف: 100]، وقد كان هذا مشروعاً في الأمم الماضية ولكنه نسخ في ملتنا.

قال معاذ: " قدمت الشام فرأيتهم يسجدون لأساقفتهم وعلمائهم فأنت يا رسول الله أحق أن يسجد لك، فقال: " لا، لو كنت آمراً بشراً أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها " ورجحه الرازي. وقال بعضهم: بل كانت السجدة لله وآدم قبلة فيها، والأظهر أن القول الأول أولى والسجدة لآدم كانت إكراماً وإعظاماً واحتراماً وسلاماً، وهي طاعة لله عزّ وجلّ لأنها امتثال لأمره تعالى، وقد قوّاه الرازي في تفسيره وضعَّف ما عداه من القولين الآخرين، وهما: كونه جعل قبلة إذ لا يظهر فيه شرف، والآخر أن المراد بالسجود الخضوع لا الانحناء ووضع الجبهة على الأرض، وهو ضعيف كما قال.

السابقالتالي
2