الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِٱلْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإن كَانَ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِٱلْعَدْلِ وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ وَلاَ يَأْبَ ٱلشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوۤاْ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَىٰ أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَٰدَةِ وَأَدْنَىٰ أَلاَّ تَرْتَابُوۤاْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

هذه الآية الكريمة أطول آية في القرآن العظيم، وقد قال الإمام أبو جعفر بن جرير عن سعيد بن المسيب أنه بلغه: أن أحدث القرآن بالعرش آية الدين.

فقوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ } ، هذا إرشاد منه تعالى لعباده المؤمنين، إذا تعاملوا بمعاملات مؤجلة أن يكتبوها، ليكون ذلك أحفظ لمقدارها وميقاتها وأضبط للشاهد فيها، وقد نبّه على هذا في آخر الآية حيث قال: { ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلاَّ تَرْتَابُوۤاْ } ، وقال مجاهد عن ابن عباس في قوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ } ، قال: أنزلت في السلم إلى أجل معلوم، وقال قتادة عن ابن عباس: أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى أن الله أحله وأذن فيه، ثم قرأ: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } رواه البخاري. وثبت في الصحيحين عن ابن عباس قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين والثلاث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم " ، وقوله: { فَٱكْتُبُوهُ } أمر منه تعالى بالكتابة للتوثقة والحفظ، فإن قيل: فقد ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " فما الجمع بينه وبين الأمر بالكتابة؟ فالجواب أن الدِّين من حيث هو غير مفتقر إلى كتابة أصلاً، لأن كتاب الله قد سهل الله ويسر حفظه على الناس، والسنن أيضاً محفوظة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي أمر الله بكتابته إنما هو أشياء جزئية تقع بين الناس، فأمروا أمر إرشاد لا أمر إيجاب، كما ذهب إليه بعضهم. قال ابن جريج: من ادّان فليكتب ومن ابتاع فليُشْهد، وقال قتادة: ذكر لنا أن (أبا سليمان المرعشي) كان رجلاً صحب كعباً فقال ذات يوم لأصحابه: هل تعلمون مظلوماً دعا ربه فلم يستجب له؟ فقالوا: وكيف يكون ذلك؟ قال: رجل باع بيعاً إلى أجل فلم يُشْهد ولم يكتب، فلما حل ماله جحده صاحبه فدعا ربه فلم يستجب له لأنه قد عصى ربه، وقال الحسن وابن جريج: كان ذلك واجباً ثم نسخ بقوله: " فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ " [البقرة: 283]. والدليل على ذلك أيضاً الحديث الذي حكي عن شرع من قبلنا مقرراً في شرعنا ولم ينكر عدم الكتابة والإشهاد.

قال الإمام أحمد عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه ذكر أن رجلاً من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار، فقال: ائتني بشهداء أشهدهم؟ قال: كفى بالله شهيداً.

السابقالتالي
2 3 4 5