الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَٰواْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَٰواْ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَٰواْ فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَٱنْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

لما ذكر تعالى الأبرار المؤدين النفقات، المخرجين الزكوات، المتفضلين بالبر والصدقات لذوي الحاجات والقرابات، في جميع الأحوال والأوقات، شرع في ذكر أكلة الربا وأموال الناس بالباطل وأنواع الشبهات، وأخبر عنهم يوم خروجهم من قبورهم وقيامهم منها إلى بعثهم ونشورهم، فقال: { ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ } ، أي لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له، وذلك أنه يقوم قياماً منكراً. وقال ابن عباس: آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنوناً يخنق، وحكي عن عبد الله بن عباس وعكرمة والحسن وقتادة أنهم قالوا في قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ } يعني لا يقومون يوم القيامة، وقال ابن جرير عن ابن عباس قال: يقال يوم القيامة لآكل الربا خذ سلاحك للحرب، وقرأ: { ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ } وذلك حين يقوم من قبره. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتيت ليلة أسري بي على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات تجري من خارج بطونهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أكلة الربا " وعن سمرة بن جندب في حديث المنام الطويل: (فأتينا على نهر - حسبت أنه كان يقول أحمر مثل الدم - وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ثم يأتي ذلك الذي قد جمع الحجارة عنده فيفغر له فاه فيلقمه حجراً - وذكر في تفسيره - أنه آكل الربا).

وقوله تعالى: { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَا وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَا } ، أي إنما جوزوا بذلك لاعتراضهم على أحكام الله في شرعه، وليس هذا قياساً منهم للربا على البيع، لأن المشركين لا يعترفون بمشروعية أصل البيع الذي شرعه الله في القرآن، ولو كان هذا من باب القياس لقالوا: إنما الربا مثل البيع، وإنما قالوا: { إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَا } أي هو نظيره، فلم حرم هذا وأبيح هذا؟ وهذا اعتراض منهم على الشرع، أي هذا مثل هذا، وقد أحل هذا وحرم هذا. وقوله: تعالى: { وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَا } يحتمل أن يكون من تمام الكلام رداً عليهم، أي على ما قالوه من الاعتراض مع علمهم بتفريق الله بين هذا وهذا حكماً، وهو العليم الحكيم الذي لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وهو العالم بحقائق الأمور ومصالحها وما ينفع عباده فيبيحه لهم، وما يضرهم فينهاهم عنه، وهو أرحم بهم من الوالدة بولدها الطفل.

السابقالتالي
2 3