الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لاَ ٱنفِصَامَ لَهَا وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

يقول تعالى: { لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ } أي لا تكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام، فإنه بيِّن واضح، جلي دلائله وبراهينه، لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونوَّر بصيرته دخل فيه على بينة، ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهاً مقسوراً، وقد ذكروا أن سبب نزول هذه الآية في قوم من الأنصار وإن كان حكمها عاماً. وقال ابن جرير عن ابن عباس، قال: كانت المرأة تكون مقلاة فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوّده، فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار فقالوا: لا ندع أبناءنا، فأنزل الله عز وجل: { لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ }. وعن ابن عباس قوله: { لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ } قال: نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف يقال له الحصيني، كان له ابنان نصرانيان، وكان هو رجلاً مسلماً فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا أستكرههما، فإنهما قد أبيا إلا النصرانية، فأنزل الله فيه ذلك. وقال ابن أبي حاتم عن أبي هلال عن أسبق، قال كنت في دينهم مملوكاً نصرانياً لعمر بن الخطاب. فكان يعرض عليَّ الإسلام فآبى، فيقول: { لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ } ، ويقول: يا أسبق لو أسلمت لاستعنا بك على بعض أمور المسلمين.

وقد ذهب طائفة كثيرة من العلماء أن هذه محمولة على أهل الكتاب ومن دخل في دينهم قبل النسخ والتبديل إذا بذلوا الجزية. وقال آخرون: بل هي منسوخة بآية القتال، وأنه يجب أن يدعى جميع الأمم إلى الدخول في الدين الحنيف (دين الإسلام) فإن أبى أحد منهم الدخول فيه ولم ينقد له، أو يبذل الجزية، قوتل حتى يقتل، وهذا معنى الإكراه. قال الله تعالى:سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ } [الفتح: 16]، وقال تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ } [التوبة: 73، التحريم: 9]، وقال تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِّنَ ٱلْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ } [التوبة: 123]. وفي الصحيح: " عجب ربك من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل " ، يعني الأسارى الذين يقدم بهم بلاد الإسلام في الوثاق والأغلال والقيود والأكبال، ثم بعد ذلك يسلمون وتصلح أعمالهم وسرائرهم فيكونون من أهل الجنة، فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: " " أسلم " ، قال: إني أجدني كارهاً، قال: " وإن كنت كارهاً " ، فإنه ثلاثي صحيح، لكن ليس من هذا القبيل، فإنه لم يكرهه النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام بل دعاه إليه، فأخبره أن نفسه ليست قابلة له بل هي كارهة، فقال له أسلم وإن كنت كارهاً، فإن الله سيرزقك حسن النية والإخلاص.

السابقالتالي
2