الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعاً إِلَى ٱلْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ } * { كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

قال الأكثرون: هذه الآية منسوخة بالتي قبلها، وهي قوله:يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً } [البقرة: 234]. قال البخاري، قال ابن الزبير: قلت لعثمان بن عفان: { وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً } قد نسختها الآية الأُخرى فلَم تكتبها أو تدعها؟ قال: يا ابن أخي لا أغيِّر شيئاً منه من مكانه، ومعنى هذا الإشكال الذي قاله ابن الزبير لعثمان إذا كان حكمها قد نسخ بالأربعة الأشهر فما الحكمة في إبقاء رسمها مع زوال حكمها، وبقاء رسمها بعد التي نسختها يوهم بقاء حكمها؟ فأجابه أمير المؤمنين بأن هذا أمر توقيفي وأنا وجدتها مثبتة في المصحف كذلك بعدها فأثبتها حيث وجدتها.

وروي عن ابن عباس قال: كان الرجل إذا مات وترك امرأته اعتدت سنة في بيته ينفق عليها من ماله ثم أنزل الله بعد:وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً } [البقرة: 234]، فهذه عدة المتوفى عنها زوجها إلا أن تكون حاملاً فعدتها أن تضع ما في بطنها، وقال:وَلَهُنَّ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ ٱلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم } [النساء: 12]، فبيّن ميراث المرأة وترك الوصية والنفقة.

وقال عطاء، قال ابن عباس: نسخت هذه الآية عدتها عند أهلها فتعتد حيث شاءت وهو قول الله تعالى: { غَيْرَ إِخْرَاجٍ } ، قال عطاء: إن شاءت اعتدت عند أهلها وسكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت لقول الله: { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ } ، قال عطاء: ثم جاء الميراث فنسخ السكنى فتعتد حيث شاءت ولا سكنى لها، ثم أسند البخاري عن ابن عباس مثل ما تقدم عنه بهذا القول الذي عول عليه مجاهد وعطاء من أن هذه الآية لم تدل على وجوب الاعتداد سنة كما زعمه الجمهور حتى يكون ذلك منسوخاً بالأربعة الأشهر وعشر وإنما دلت على أن ذلك كان من باب الوصاة بالزوجات أن يُمكِّن من السكنى في بيوت أزواجهن بعد وفاتهم حولاً كاملاً إن اخترن ذلك ولهذا قال تعالى: { وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ } أي يوصيكم الله بهن وصية كقوله:يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلاَدِكُمْ } [النساء: 11] الآية. { غَيْرَ إِخْرَاجٍ } فأما إذا انقضت عدتهن بالأربعة أشهر والعشر أو بوضع الحمل واخترن الخروج والانتقال من ذلك المنزل فإنهن لا يمنعن من ذلك لقوله: { فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ } ، وهذا القول له اتجاه وفي اللفظ مساعدة له وقد اختاره جماعة منهم الإمام ابن تيمية، ورده آخرون منهم الشيخ ابن عبد البر، وقول عطاء ومن تابعه على أن ذلك منسوخ بآية الميراث إن أرادوا ما زاد على الأربعة أشهر والعشر فمسلَّم، وإن أرادوا أن سكنى الأربعة أشهر وعشر لا تجب في تركة الميت، فهذا محل خلاف بين الأئمة وهما قولان للشافعي رحمه الله.

السابقالتالي
2