الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وٱلصَّلَٰوةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُواْ للَّهِ قَٰنِتِينَ } * { فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ }

يأمر تعالى بالمحافظة على الصلوات في أوقاتها، وحفظ حدودها وأدائها في أوقاتها، كما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أي العمل أفضل؟ قال: " الصلاة في وقتها " ، قلت: ثم أي؟ قال: " الجهاد في سبيل الله " ، قلت: ثم أي؟ قال: " بر الوالدين " ، وفي الحديث: " إن أحب الأعمال إلى الله تعجيل الصلاة لأول وقتها " وخص تعالى من بينها بمزيد التأكيد (الصلاة الوسطى) وقد اختلف السلف والخلف فيها أي صلاة هي؟ فقيل: (الصبح) حكاه مالك لما روي عن ابن عباس أنه صلى الغداة في مسجد البصرة فقنت قبل الركوع وقال: هذه الصلاة الوسطى التي ذكرها الله في كتابه فقال: { حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَاتِ وٱلصَّلاَةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ } ، وهو الذي نص عليه الشافعي رحمه الله محتجاً بقوله تعالى: { وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ } والقنوت عنده في صلاة الصبح، ومنهم من قال: هي وسطى باعتبار أنها لا تقصر وهي بين صلاتين رباعيتين مقصورتين. وقيل: إنها (صلاة الظهر). روي عن زيد بن ثابت قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منها فنزلت: { حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَاتِ وٱلصَّلاَةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ } ، وقيل: إنها (صلاة العصر) وهو قول أكثر علماء الصحابة وجمهور التابعين.

قال الإمام أحمد بسنده عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله قلوبهم وبيوتهم ناراً " ثم صلاها بين العشاءين المغرب والعِشاء ويؤكد ذلك الأمر بالمحافظة عليها قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: " من فاتته صلاة العصر فكأنما وُتِرَ أهله وماله " ، وفي الصحيح أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بكروا بالصلاة في يوم الغيم فإنه من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله " وعن أبي يونس مولى عائشة قال: أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفاً قالت: إذا بلغت هذه الآية { حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَاتِ وٱلصَّلاَةِ ٱلْوُسْطَىٰ } فآذني، فلما بلغتها آذنتها، فأملت عليَّ: { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين } قالت: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل: إن الصلاة الوسطى هي صلاة المغرب.

وقيل: بل الصلاة الوسطى مجموع الصلوات الخمس. وكل هذه الأقوال فيها ضعف بالنسبة إلى التي قبلها، وقد ثبتت السنة بأنها العصر فتعيَّن المصير إليها.

وقوله تعالى: { وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ } أي خاشعين ذليلين مستكينين بين يديه، وهذا الأمر مستلزم ترك الكلام في الصلاة لمنافاته إياها، ولهذا لما امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من الرد على (ابن مسعود) حين سلم عليه وهو في الصلاة قال:

السابقالتالي
2