الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِيۤ أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَـٰكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً وَلاَ تَعْزِمُوۤاْ عُقْدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَابُ أَجَلَهُ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ فَٱحْذَرُوهُ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }

يقول تعالى: { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } أن تعرّضوا بخطبة النساء في عدتهن، من وفاة أزواجهن من غير تصريح، قال ابن عباس: التعريض أن يقول إني أريد التزويج، وإني أحب امرأة من أمرها ومن أمرها - يُعرّض لها بالقول بالمعروف - وفي رواية ووددت أن الله رزقني امرأة. وعن مجاهد عن ابن عباس هو أن يقول: إني أريد التزويج وإن النساء لمن حاجتي، ولوددت أن ييسر لي امرأة صالحة. من غير تصريح لها بالخطبة، وهكذا حكم المطلقة المبتوتة يجوز التعريض لها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس، حين طلقها زوجها أبو عمرو بن حفص، آخر ثلاث تطليقات، فأمرها أن تعتد في بيت (ابن أم مكتوم) وقال لها: فإذا حللت فآذنيني، فلما حلت خطب عليها أسامة بن زيد مولاه فزوجها إياه، فأما المطلقة فلا خلاف في أنه لا يجوز لغير زوجها التصريح بخطبتها ولا التعريض لها، والله أعلم.

وقوله تعالى: { أَوْ أَكْنَنتُمْ فِيۤ أَنْفُسِكُمْ } أي أضمرتم في أنفسكم من خطبتهن، وهذا كقوله تعالى:وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ } [القصص: 69]، وكقوله:وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ } [الممتحنة: 1]، ولهذا قال: { عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ } أي في أنفسكم فرفع الحرج عنكم في ذلك، ثم قال: { وَلَـٰكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً } واختاره ابن جرير، وقال ابن عباس: { وَلَـٰكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً } لا تقل لها: إني عاشق، وعاهديني أن لا تتزوجي غيري، ونحو هذا. وكذا روي عن سعيد بن جبير والضحاك، وعن مجاهد هو قول الرجل للمرأة: لا تفوتيني بنفسك فإني ناكحك، فنهى الله عن ذلك وشدَّد فيه وأحل الخطبة والقول بالمعروف، وقال ابن زيد: { وَلَـٰكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً } هو أن يتزوجها في العدة سراً فإذا حلت أظهر ذلك، وقد يحتمل أن تكون الآية عامة في جميع ذلك ولهذا قال: { إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } ، قال ابن عباس: يعني به ما تقدم من إباحة التعريض كقوله: إني فيك لراغب ونحو ذلك.

وقوله تعالى: { وَلاَ تَعْزِمُوۤاْ عُقْدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَابُ أَجَلَهُ } يعني ولا تعقدوا العقدة بالنكاح حتى تنقضي العدة. قال ابن عباس: { حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَابُ أَجَلَهُ } يعني ولا تعقدوا العقد بالنكاح حتى تنقضي العدة، وقد أجمع العلماء على أنه لا يصح العقد في مدة العدة، واختلفوا فيمن تزوج امرأة في عدتها فدخل بها فإنه يفرق بينهما وهل تحرم عليه أبداً؟ على قولين: الجمهور على أنها لا تحرم عليه بل له أن يخطبها إذا انقضت عدتها، وذهب الإمام مالك إلى أنها تحرم عليه على التأبيد، ومأخذ هذا أن الزوج لما استعجل ما أجل الله، عوقب بنقيض قصده فحرمت عليه من التأبيد كالقاتل يحرم الميراث.

وقوله تعالى: { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ فَٱحْذَرُوهُ } توعدهم على ما يقع في ضمائرهم من أمور النساء، وأرشدهم إلى إضمار الخير دون الشر، ثم لم يُؤَنِّسْهم من رحمته ولم يقنطهم من عائدته فقال: { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }.