الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوۤاْ إِصْلاَحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

هذا أمر من الله سبحانه تعالى للمطلقات المدخول بهن من ذوات الأقراء، بأن يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء، أي بأن تمكث إحداهن بعد طلاق زوجها لها ثلاثة قروء ثم تتزوج إن شاءت، وقد أخرج الأئمة الأربعة من هذا العموم الأمة إذا طلقت فإنها تعتد عندهم بقرأين لأنها على النصف من الحرة، والقرء لا يتبعض فكمل لها قرآن لحديث: " طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان ".

وقال بعض السلف: بل عدتها كعدة الحرة لعموم الآية ولأن هذا أمر جلي فكان الحرائر والإماء في هذا سواء، حكي هذا القول عن بعض أهل الظاهر. وروي عن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية قالت: طلقت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن للمطلقة عدة فأنزل الله عزّ وجلّ حين طلِّقت (أسماءُ) العدة للطلاق فكانت أول من نزلت فيها العدة للطلاق يعني: { وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ }. وقد اختلف السلف والخلف والأئمة في المراد بالأقراء ما هو على قولين، (أحدهما): أن المراد بها (الأطهار) وقال مالك في الموطأ عن عروة عن عائشة أنها انتقلت حفصة بنت عبد الرحمٰن بن أبي بكر حين دخلت في الدم من الحيضة الثالثة، فذكرت ذلك لعمرة بنت عبد الرحمن، فقالت: صدق عروة، وقد جادلها في ذلك ناس فقالوا: إن الله تعالى يقول في كتابه: { ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ } ، فقالت عائشة: صدقتم وتدرون ما الأقراء؟ إنما الأقراء الأطهار. وعن عبد الله بن عمر أنه كان يقول: إذا طلق الرجل امرأته فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها، وهو مذهب مالك والشافعي ورواية عن أحمد، واستدلوا عليه بقوله تعالى:فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } [الطلاق: 1] أي في الأطهار، ولما كان الطهر الذي يطلق فيه محتسباً، دل على أنه أحد الأقراء الثلاثة المأمور بها، ولهذا قال هؤلاء: إن المعتدة تنقضي عدتها وتبين من زوجها بالطعن في الحيضة الثالثة، واستشهد أبو عبيدة وغيره على ذلك بقول الأعشى:
مورثة مالاً وفي الأصل رفعة   لما ضاع فيها من قروء نسائكا
يمدح أميراً من أُمراء العرب آثر الغزو على المقام حتى ضاعت أيام الطهر من نسائه لم يواقعهن فيها. (والقول الثاني): أن المراد بالأقراء (الحيض) فلا تنقضي العدة حتى تطهر من الحيضة الثالثة، زاد آخرون وتغتسل منها، وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه وأصح الروايتين عن الإمام أحمد بن حنبل، وحكى عنه الأثرم أنه قال: الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: الأقراء: الحيض، وهو مذهب الثوري والأوزاعي وابن أبي ليلى، ويؤيد هذا ما جاء في الحديث عن فاطمة بنت أبي حبيش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها:

السابقالتالي
2