الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَٰتٍ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلْمَشْعَرِ ٱلْحَرَامِ وَٱذْكُرُوهُ كَمَا هَدَٰكُمْ وَإِن كُنْتُمْ مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ }

روى البخاري عن ابن عباس قال: كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقاً في الجاهلية، فتأثموا أن يتجروا في الموسم، فنزلت: { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } في مواسم الحج، ولبعضهم: فلما جاء الإسلام تأثموا أن يتجروا فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله هذه الآية. وروى أبو داود عن ابن عباس قال: كانوا يتقون البيوع والتجارة في الموسم والحج يقولون أيام ذكر فأنزل الله. { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ }. وقال ابن جرير: سمعت ابن عمر سئل عن الرجل يحج ومعه تجارة فقرأ ابن عمر: { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } وهذا موقوف وهو قوي جيد، وقد روي مرفوعاً. عن أبي أمامة التيمي قال: " قلت لابن عمر: إنا نكري فهل لنا من حج؟ قال: أليس تطوفون بالبيت، وتأتون المعرف، وترمون الجمار، وتحلقون رؤوسكم؟ قال: قلنا: بلى، فقال: ابن عمر: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الذي سألتني فلم يجبه حتى نزل عليه جبريل بهذه الآية: { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " أنتم حجاج " وعن أبي صالح مولى عمر قال: قلت: يا أمير المؤمنين كنتم تتجرون في الحج؟ قال: وهل كانت معايشهم إلا في الحج؟..

وقوله تعالى: { فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلْمَشْعَرِ ٱلْحَرَامِ } إنما صرف عرفات - وإن كان علماً على مؤنث - لأنه في الأصل جمع كمسلمات ومؤمنات، سُمِّيَ به بقعةٌ معينة فروعي فيه الأصل فصرف، اختاره ابن جرير، وعرفة موضع الوقوف في الحج، وهي عمدة أفعال الحج، ولهذا روي عن عبد الرحمٰن بن يعمر الديلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الحج عرفات - ثلاثاً - فمن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك، وأيام منى ثلاثة فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه " ووقت الوقوف من الزوال يوم عرفة إلى طلوع الفجر الثاني من يوم النحر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع بعد أن صلى الظهر إلى أن غربت الشمس وقال: " لتأخذوا عني مناسككم " ، وقال في هذا الحديث: " فمن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك " ، وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي رحمهم الله، وذهب الإمام أحمد إلى أن وقت الوقوف من أول يوم عرفة واحتج بحديث الشعبي عن عروة بن مضرس الطائي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة، فقلت: يا رسول الله: إني جئت من جبل طيء أكللت راحلتي وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2