الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُونِ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ }

اختلف أهل العربية في قوله تعالى: { ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ } فقال بعضهم: تقديره الحج حج أشهر معلومات، فعلى هذا التقدير يكون الإحرام بالحج فيها أكمل من الإحرام فيما عداها، وإن كان ذاك صحيحاً، والقول بصحة الإحرام بالحج في جميع السنة مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد واحتج لهم بقوله تعالى:يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ } [البقرة: 189] وبأنه أحد النسكين فصحَّ الإحرام به في جميع السنة كالعمرة، وذهب الشافعي إلى أنه لا يصح الإحرام بالحج إلا في أشهره، فلو أحرم به قبلها لم ينعقد إحرامه به، وهل ينعقد عمرة؟ فيه قولان عنه، والقول بأنه لا يصح الإحرام بالحج إلا في أشهره مروي عن ابن عباس وجابر ومجاهد رحمهم الله، والدليل عليه قوله: { ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ } وظاهره التقدير الآخر الذي ذهب إليه النحاة، وهو أن وقت الحج أشهر معلومات، فخصصه بها من بين سائر شهور السنة، فدل على أنه لا يصح قبلها كميقات الصلاة.

عن ابن عباس أنه قال: لا ينبغي لأحد أن يحرم بالحج إلا في شهور الحج، من أجل قول الله تعالى: { ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ } ، وعنه أنه قال: من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج، وقول الصحابي من السنة كذا في حكم المرفوع عند الأكثرين، ولا سيما قول ابن عباس تفسيراً للقرآن وهو ترجمانه.

وقوله تعالى: { أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ } ، قال البخاري: قال ابن عمر: هي (شوّال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة) وهو مذهب الشافعي، وأبي حنيفة، وأحمد، واختار هذا القول ابن جرير، قال: وصح إطلاق الجمع على شهرين وبعض الثالث للتغليب، كما تقول العرب: رأيته العام ورأيته اليوم وإنما وقع ذلك في بعض العام واليوم، وقال الإمام مالك والشافعي في القديم: هي شوّال وذو القعدة وذو الحجة بكماله، وهو رواية عن ابن عمر أيضاً. وفائدة مذهب مالك أنه إلى آخر ذي الحجة بمعنى أنه مختص بالحج، فيكره الاعتمار في بقية ذي الحجة، لا أنه يصح الحج بعد ليلة النحر، وقد ثبت عن عمر وعثمان رضي الله عنهما أنهما كانا يحبان الاعتمار في غير أشهر الحج وينهيان عن ذلك في أشهر الحج، والله أعلم.

وقوله تعالى: { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ } أي أوجب بإحرامه حجاً، قال ابن جرير: أجمعوا على أن المراد من الفرض هٰهنا الإيجاب والإلزام، وقال ابن عباس: { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ } من أحرم بحج أو عمرة، وقال عطاء: الفرض الإحرام، وقوله: { فَلاَ رَفَثَ } أي من أحرم بالحج أو العمرة، فليجتنب الرفث وهو الجماع كما قال تعالى:أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ } [البقرة: 187] وكذلك يحرم تعاطي دواعيه من المباشرة والتقبيل ونحو ذلك، وكذلك التكلم به بحضرة النساء.

السابقالتالي
2 3