الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ } * { أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ ٱللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ ٱللَّهِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } * { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

يقول الله تعالى مرشداً نبيّه صلوات الله وسلامه عليه إلى درء مجادلة المشركين: { قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللَّهِ } أي تناظروننا في توحيد الله والإخلاص له، والانقياد، واتباع أوامره، وترك زواجره { وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ } المتصرف فينا وفيكم، المستحق لإخلاص الإلهية له وحده لا شريك له { وَلَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } أي نحن برآء منكم ومما تعبدون وأنتم برآء منا كما قال في الآية الأُخرى:وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيۤئُونَ مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } [يونس: 41]، وقال تعالى:فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِ } [آل عمران: 20] الآية. وقال تعالى إخباراً عن إبراهيم:وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّوۤنِّي فِي ٱللَّهِ } [الأنعام: 80] الآية. وقال تعالى:أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ } [البقرة: 258] الآية. وقال في هذه الآية الكريمة: { وَلَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ }: أي نحن برآء منكم كما أنتم برآء منا، ونحن له مخلصون أي في العبادة والتوجه. ثم أنكر تعالى عليهم في دعواهم أن إبراهيم ومن ذكر بعده من الأنبياء والأسباط كانوا على ملتهم، إما اليهودية وإما النصرانية فقال: { قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ ٱللَّهُ }؟ يعني بل الله أعلم، وقد أخبر أنهم لم يكونوا هوداً ولا نصارى كما قال تعالى:مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [آل عمران: 67].

وقوله: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ ٱللَّهِ } قال الحسن البصري: كانوا يقرأون في كتاب الله الذي أتاهم إن الدين الإسلام، وإن محمداً رسول الله، وإن إبراهيم وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا براء من اليهودية والنصرانية، فشهدوا لله بذلك وأقروا على أنفسهم لله، فكتموا شهادة الله عندهم من ذلك. وقوله: { وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } تهديد ووعيد شديد: أي أن علمه محيط بعلمكم وسيجزيكم عليه، ثم قال تعالى: { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ } أي قد مضت { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ } أي لهم أعمالهم ولكم أعمالكم { وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } وليس يغني عنكم انتسابكم إليهم من غير متابعة منكم لهم، ولا تغتروا بمجرد النسبة إليهم حتى تكونوا منقادين مثلهم لأوامر الله، واتباع رسله الذي بعثوا مبشرين ومنذرين، فإنه من كفر بنبي واحد فقد كفر بسائر الرسل، ولا سيما بسيد الأنبياء وخاتم المرسلين، ورسول رب العالمين إلى جميع الإنس والجن من المكلفين صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر أنبياء الله أجمعين.