الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَٱلْعَاكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } * { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }

{ وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى... }.

عن ابن عباس { وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ } قال: يثوبون إليه ثم يرجعون. وحدث عبدة بن أبي لبابة قال: لا ينصرف عنه منصرف وهو يرى أنه قد قضى منه وطراً. قال الشاعر:
جعل البيت مثاباً لهم   ليس منه الدهرَ يقضون الوَطَر
وقال سعيد بن جبير في الرواية الأُخرى وعكرمة وقتادة { مَثَابَةً لِّلنَّاسِ }: أي مجمعاً { وَأَمْناً } أي أمناً للناس، وقد كانوا في الجاهلية يتخطف الناس من حولهم وهم آمنون لا يُسبون.

ومضمون هذه الآية أن الله تعالى يذكر شرف البيت، وما جعله موصوفاً به شرعاً وقدراً من كونه مثابةً للناس، أي جعله محلاً تشتاق إليه الأرواح وتحنّ إليه، ولا تقضي منه وطراً ولو ترددت إليه كل عام، استجابة من الله تعالى لدعاء خليله إبراهيم عليه السلام، في قوله:فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِيۤ إِلَيْهِمْ } [إبراهيم: 37] إلى أن قال:رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ } [إبراهيم: 40]، ويصفه تعالى بأنه جعله أمناً من دخله أمن، ولو كان قد فعل ما فعل ثم دخله كان آمناً. فقد كان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فيه فلا يعرض له. وما هذا الشرف إلا لشرف بانيه أولاً وهو خليل الرحمٰن كما قال تعالى:وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً } [الحج: 26].

وقال تعالى:إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً } [آل عمران: 96-97]. وفي هذه الآية الكريمة نبّه على مقام إبراهيم مع الأمر بالصلاة عنده، فقال: { وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى }. وقد اختلف المفسرون في المراد بالمقام ما هو؟ فقال مجاهد عن ابن عباس: مقام إبراهيم الحرم كله، وقيل: مقام إبراهيم الحج كله (منى ورمي الجمار والطواف بين الصفا والمروة)، وقال سفيان الثوري عن سعيد بن جبير: { وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } قال: الحجر مقام إبراهيم نبي الله قد جعله الله رحمة فكان يقوم عليه ويناوله إسماعيل الحجارة، وقال السدي: المقام الحجر الذي وضعته زوجة إسماعيل تحت قدم إبراهيم حتى غسلت رأسه. عن جعفر بن محمد عن أبيه: سمع جابراً يحدّث عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما طاف النبي صلى الله عليه وسلم قال له عمر: هذا مقام أبينا؟ قال: " نعم " ، قال: أفلا نتخذه مصلى؟ فأنزل الله عزّ وجلّ: { وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى }. وقال البخاري: باب قوله: { وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } مثابة يثوبون: يرجعون. قال عمر بن الخطّاب: وافقت ربي في ثلاث أو وافقني ربي في ثلاث: قلت: يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلّى، فنزلت: { وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } ، وقلت: يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أُمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد