الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }

قال ابن عباس رضي الله عنهما: { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ } ما نبدل من آية، وقال مجاهد: { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ } أي ما نمحو من آية، مثل قوله: " الشيخ والشيخة إذا زنَيا فارجموهما البتّة " ، وقوله: " لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثاً " ، وقال ابن جرير: { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ } ما ننقل من حكم آية إلى غيره فنبدله ونغيّره، وذلك أن نحوّل الحلال حراماً، والحرام حلالاً، والمباح محظوراً، والمحظور مباحاً، ولا يكون ذلك إلا في (الأمر والنهي والحظر والإطلاق والمنع والإباحة) فأما الأخبار فلا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ. وأصل النسخ: من نسخ الكتاب وهو نقله من نسخة أُخرى إلى غيرها، فكذلك معنى نسخ الحكم إلى غيره، إنما هو تحويله ونقل عبارة إلى غيرها، وسواء نسخ حكمها أو خطها إذ هي في كلتا حالتيها منسوخة، وأما علماء الأصول فاختلفت عباراتهم في حد النسخ، والأمرُ في ذلك قريب. لأن معنى النسخ الشرعي معلوم عند العلماء، ولحظ بعضهم أنه: رفع الحكم بدليل شرعي متأخر، فاندرج في ذلك نسخ الأخف بالأثقل وعكسه والنسخ لا إلى بدل. وأما تفاصيل أحكام النسخ وذكر أنواعه وشروطه فمبسوطة في أصول الفقه. وقال الطبراني: قرأ رجلان سورة أقرأهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانا يقرآن بها، فقاما ذات ليلة يصليان فلم يقدرا منها على حرف، فأصبحا غاديين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرا ذلك له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنها مما نسخ وأنسي فالهوا عنها " ، فكان الزهري يقرؤها: { مَا ننسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا } بضم النون الخفيفة. وقوله تعالى: { أَوْ نُنسِهَا } فقرىء على وجهين: { نَنْسأها } ، { ونُنْسِها } ، فأما من قرأها بفتح النون والهمزة بعد السين فمعناه نؤخرها. قال مجاهد عن أصحاب ابن مسعود { أو ننسأها } نثبت خطها ونبدل حكمها، وقال مجاهد وعطاء: { أو ننسأها } نؤخرها ونرجئها. عن ابن عباس قال: خطبنا عمر رضي الله عنه فقال: يقول الله عزّ وجلّ: { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا } أي نؤخرها، وأما على قراءة { أَوْ نُنسِهَا } فقال قتادة: كان الله عزّ وجلّ ينسي نبيّه صلى الله عليه وسلم ما يشاء، وينسخ ما يشاء.

وقال ابن جرير عن الحسن في قوله: { أَوْ نُنسِهَا } قال: إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قرأ قرآناً ثم نسيه، وعن ابن عباس قال: " كان مما ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي بالليل وينساه بالنهار " وقال عمر: أقرؤنا أبيّ، وأقضانا علي، وإنَّا لندع من قول أبيّ، وذلك أن أبيّاً يقول: لا أدع شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2 3