الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ الۤـمۤ } * { ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }

{ الۤمۤ } اختلف المفسِّرون في الحروف المقطعة التي في أوائل السور، فمنهم من قال: هي مما استأثر الله بعلمه فردوا علمها إلى الله ولم يفسروها حكاه القرطبي في تفسيره، ومنهم من فسرها واختلف هؤلاء في معناها فقال بعضهم: هي أسماء السور، قال الزمخشري: وعليه إطباق الأكثر، وقيل: وهي اسم من أسماء الله تعالى يفتتح بها السور، فكل حرف منها دل على اسم من أسمائه وصفةً من صفاته، فالألف مفتاح اسم (الله) واللام مفتاح اسمه (لطيف) والميم مفتاح اسمه (مجيد)، وقال آخرون: إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكرت فيها بياناً لـ (إعجاز القرآن) وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها، حكاه الرازي عن المبرد وجمع من المحققين، وحكاه القرطبي عن الفراء، وقرره الزمخشري ونصره أتم نصر، وإليه ذهب الإمام (ابن تيمية) وشيخنا الحافظ (أبو الحجاج المزي).

قال الزمخشري: ولم ترد كلها مجموعة في أول القرآن، وإنما كررت ليكون أبلغ في التحدي والتبكيت، كما كررت قصص كثيرة، وكرر التحدي الصريح في أماكن، وجاء منها على حرف واحد مثل { صۤ } وحرفين مثل { حـمۤ } وثلاثة مثل { الۤمۤ } وأربعة مثل { الۤمۤصۤ } وخمسة مثل { كۤهيعۤصۤ } لأن أساليب كلامهم منها ما هو على حرف وعلى حرفين وعلى ثلاثة وعلى أربعة وعلى خمسة لا أكثر من ذلك.

قال ابن كثير: ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف فلا بد أن يذكر فيها الانتصار للقرآن، وبيان إعجازه وعظمته، وهذا معلوم بالاستقراء في تسع وعشرين سورة مثل: { الۤمۤ * ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ }الۤمۤ * ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ } [آل عمران: 1-3]الۤمۤصۤ * كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ } [الأعراف: 1-2]الۤر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ } [إبراهيم: 1]الۤمۤ * تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ } [السجدة: 1-2]حـمۤ * تَنزِيلٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } [فصلت: 1-2] وغير ذلك من الآيات الدالة على صحة ما ذهب إليه هؤلاء لمن أَمعن النظر.

{ ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ } قال ابن عباس: أي هذا الكتاب. والعربُ تعارض بين اسمي الإشارة فيستعملون كلاً منهما مكان الآخر وهذا معروفٌ في كلامهم. والكتابُ: القرآنُ، ومن قال: إن المراد بذلك الإشارة إلى التوراة والإنجيل فقد أبعدَ النُجعة، وأغرق في النزع، وتكلّف ما لا علم له به. والريبُ: الشك، أي لا شك فيه، روي ذلك عن أُناسٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن أبي حاتم: لا أعلم في هذا خلافاً.

وقد يستعمل الريب في التهمة، قال جميل:
بثينة قالت: يا جميلُ أربتني   فقلتُ: كلانا يا بثينُ مريب
واستعمل أيضاً في الحاجة كما قال بعضهم:
قضينا من تهامة كل ريبٍ   وخيبر ثم أجممنا السيوفا

السابقالتالي
2