الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي ٱلْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِـع عَّلَيْهِ صَبْراً }

في هذه الآية دليل على إطلاق القرية على المدينة، لأنه قال أولاًحَتَّىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ } [الكهف: 77]، وقال هٰهنا: { فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي ٱلْمَدِينَةِ } ، كما قال تعالى:وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَتْكَ } [محمد: 13]وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [الزخرف: 31] يعني مكة والطائف، ومعنى الآية أن هذا الجدار إنما أصلحته لأنه كان لغلامين يتيمين في المدينة، وكان تحته كنز لهما. قال عكرمة: كان تحته مال مدفون لهما، وهو ظاهر السياق من الآية، وهو اختيار ابن جرير رحمه الله، وقال ابن عباس: كان تحته كنز علم، وعن الحسن البصري أنه قال: لوح من ذهب مكتوب فيه: " بسم الله الرحمن الرحيم، عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن، وعجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح، وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها، لا إلٰه إلاّ الله محمد رسول الله " ، وذكر أنهما حفظا بصلاح أبيهما، ولم يذكر منهما صلاح، وكان بينهما وبين الأب الذي حفظا به سبعة آباء. وكان نساجاً، وهذا الذي ذكر - وإن صح - لا ينافي قول عكرمة إنه كان مالاً. لأنهم ذكروا أنه كان لوحاً من ذهب، وفيه مال جزيل أكثر، كان مودعاً فيه علم وهو حكم ومواعظ والله أعلم.

وقوله تعالى: { وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً } فيه دليل على أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته، وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والآخرة بشفاعته فيهم، ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة، لتقر عينه بهم، كما جاء في القرآن ووردت به السنّة، قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: حفظا بصلاح أبيهما، ولم يذكر لهما صلاحاً، وتقدم أنه كان الأب السابع فالله أعلم. وقوله: { فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا } هٰهنا أسند الإرادة إلى الله تعالى، لأن بلوغهما الحلم لا يقدر عليه إلاّ الله، وقال في الغلام:فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَـاةً } [الكهف: 81] وقال في السفينة:فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا } [الكهف: 79] فالله أعلم. وقوله تعالى: { رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي } أي هذا الذي فعلته في هذه الأحوال الثلاثة إنما هو من رحمة الله بمن ذكرنا من أصحاب السفينة، ووالدي الغلام، وولدي الرجل الصالح، وما فعلته عن أمري، لكني أمرت به ووقفت عليه، وفيه دلالة لمن قال بنبوة الخضر عليه السلام مع ما تقدم من قوله:فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } [الكهف: 65]، وذهب كثيرون إلى أنه لم يكن نبياً بل كان ولياً، فالله أعلم. وحكي في كونه باقياً إلى الآن ثم إلى يوم القيامة قولان، ومال النووي وابن الصلاح إلى بقائه، ورجح آخرون من المحدثين وغيرهم خلاف ذلك، واحتجوا بقوله تعالى:

السابقالتالي
2