الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِي ٱلْوجُوهَ بِئْسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً }

يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد للناس هذا الذي جئتكم به من ربكم، هو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك { فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } ، هذا من باب التهديد والوعيد الشديد، ولهذا قال: { إِنَّا أَعْتَدْنَا } أي أرصدنا { لِلظَّالِمِينَ } وهم الكافرون بالله ورسوله وكتابه { نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا } أي سورها، وعن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لسرادق النار أربعة جدر، كثافة كل جدار مسافة أربعين سنة " وقال ابن عباس { أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا } قال: حائط من نار، وقوله: { وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِي ٱلْوجُوهَ } الآية، قال ابن عباس: المهل الماء الغليظ، مثل دردي الزيت، وقال مجاهد: هو كالدم والقيح، وقال عكرمة: هو الشيء الذي انتهى حره، وقال الضحّاك، ماء جهنم أسود وهي سوداء وأهلها سود، وهذه الأقوال ليس شيء منها ينفي الآخر، فإن المهل يجمع هذه الأوصاف الرذيلة كلها، فهو أسود منتن غليظ حار، ولهذا قال { يَشْوِي ٱلْوجُوهَ }: أي من حره، إذا أراد الكافر أن يشربه وقربه من وجهه شواه، حتى تسقط جلده وجهه فيه، كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ماء كالمهل، قال كعكر الزيت فإذا قربه إليه سقطت فروة وجهه فيه " وعن النبي صلى الله عليه وسلم في قولهوَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ } [إبراهيم: 16-17] قال: " يقرب إليه فيتكرهه، فإذا قرب منه شوى وجهه، ووقعت فروة رأسه، فإذا شربه قطع أمعاءه " ، يقول الله تعالى: { وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِي ٱلْوجُوهَ بِئْسَ ٱلشَّرَابُ }. وقال سعيد بن جبير: إذا جاع أهل النار استغاثوا فأغيثوا بشجرة الزقوم، فيأكلون منها فاجتثت جلود وجوههم، فلو أن ماراً مر بهم يعرفهم لعرف جلود وجوههم فيها، ثم يصب عليهم العطش فيستغيثون فيغاثون بماء كالمهل، وهو الذي قد انتهى حره، فإذا أدنوه من أفواههم اشتوى من حره لحوم وجوههم التي قد سقطت عنها الجلود، ولهذا قال تعالى بعد وصفه هذا الشراب بهذه الصفات الذميمة القبيحة { بِئْسَ ٱلشَّرَابُ } أي بئس هذا الشراب، كما قال في الآية الأخرى:وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ } [محمد: 15]، وقال تعالى:تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ } [الغاشية: 5] أي حارة، كما قال تعالى:وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ } [الرحمٰن: 44] { وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً } أي وساءت النار منزلاً ومقيلاً ومجتمعاً وموضعاً للارتفاق، كما قال في الآية الأخرىإِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } [الفرقان: 66].