الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } * { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }

يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم بتلاوة كتابه العزيز وإبلاغه إلى الناس، { لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ } أي لا مغير لها ولا محرف ولا مزيل، وقوله { وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } قال مجاهد: { مُلْتَحَداً } ملجأ، وعن قتادة: ولياً ولا مولى، قال ابن جرير: يقول إن أنت يا محمد لم تتل ما أوحي إليك من كتاب ربك، فإنه لا ملجأ لك من الله كما قال تعالى:يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } [المائدة: 67]، وقوله: { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } أي اجلس مع الذين يذكرون الله ويحمدونه ويسبحونه ويكبرونه ويسألونه بكرة وعشياً، من عباد الله، سواء كانوا فقراء أو أغنياء، يقال: إنها نزلت في أشراف قريش حين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلس معهم وحده، ولا يجالسهم بضعفاء أصحابه، كبلال وعمار وصهيب وخباب وابن مسعود، وليفرد أولئك بمجلس على حدة، فنهاه الله عن ذلك، فقال:وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ } [الأنعام: 52] الآية. وأمره أن يصبر نفسه في الجلوس مع هؤلاء، فقال: { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ } الآية. عن سعد بن أبي وقاص قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر، فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا، قال: وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان نسيت اسميهما، فوقع في نفس رسول الله ما شاء الله أن يقع، فحدث نفسه فأنزل الله عزَّ وجلَّ:وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } [الأنعام: 52].

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله لا يريدون بذلك إلاّ وجهه إلاّ ناداهم مناد من السماء أن قوموا مغفوراً لكم، قد بدلت سيئاتكم حسنات " وقال الطبراني، عن عبد الرحمٰن بن سهل بن حنيف، قال: نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بعض أبياته: { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ } الآية، فخرج يلتمسهم فوجد قوماً يذكرون الله تعالى، منهم ثائر الرأس وجاف الجلد، وذو الثوب الواحد، فلما رآهم جلس معهم، وقال: " الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أصبر نفسي معهم " ، وقوله: { وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } قال ابن عباس: ولا تجاوزهم إلى غيرهم يعني تطلب بدلهم أصحاب الشرف والثروة، { وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا } أي شغل عن الدين وعبادة ربه بالدنيا، { وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً } أي أعماله وأفعاله سفه وتفريط وضياع، ولا تكن مطيعاًَ له ولا محباً لطريقته، ولا تغبطه بما هو فيه، كما قال:وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } [طه: 131].