الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً } * { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَداً }

هذا إرشاد من الله تعالى لرسوله الله صلى الله عليه وسلم إلى الأدب فيما إذا عزم على شيء ليفعله في المستقبل أن يرد إلى مشيئة الله عزَّ وجلَّ علام الغيوم، كما ثبت في " الصحيحين " عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " قال سليمان بن داود عليهما السلام لأطوفن الليلة على سبعين امرأة - وفي رواية مائة امرأة - تلد كل امرأة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله، فقيل له - وفي رواية قال له الملك: قل إن شاء الله، فلم يقل، فطاف بهن فلم يلد منهن إلاّ امرأة واحدة نصف إنسان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - والذي نفسي بيده لو قال إن شاء الله لم يحنث وكان دركاً لحاجته " وفي رواية: " ولقاتلوا في سبيل الله فرساناً أجمعون " وقد تقدم في أول السورة ذكر سبب نزول هذه الآية في قول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن قصة أصحاب الكهف: " غداً أجيبكم " ، فتأخر الوحي خمسة عشر يوماً، وقوله: { وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ }: قيل معناه إذا نسيت الاستثناء فاستثن عند ذكرك له، وقال ابن عباس في الرجل يحلف. له أن يستثني ولو إلى سنة، وكان يقول { وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } ذلك، ومعنى قول ابن عباس أنه يستثني ولو بعد سنة أي إذا نسي أن يقول في حلفه أو في كلامه إن شاء الله وذكر ولو بعد سنة فالسنة له أن يقول ذلك ليكون آتياً بسنة الاستثناء، حتى ولو كان بعد الحنث. قاله ابن جرير رحمه الله ونص على ذلك، لا أن يكون رافعاً لحنث اليمين ومسقطاً للكفارة وهذا الذي قاله ابن جرير رحمه الله هو الصحيح، وهو الأليق بحمل كلام ابن عباس عليه والله أعلم. وقال عكرمة { وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ }: إذا غضبت. وقال الطبراني، عن ابن عباس في قوله { وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } أن تقول إن شاء الله. وروى الطبراني أيضاً عنه استثن إذا ذكرت، وقال هي خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لأحد منا أن يستثني إلاّ في صلة من يمينه، ويحتمل في الآية وجه آخر، وهو أن يكون الله تعالى قد أرشد من نسي الشيء في كلامه إلى ذكر الله تعالى، لأن النسيان منشؤه من الشيطان، كما قال فتى موسى:وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ } [الكهف: 63] وذكر الله تعالى يطرد الشيطان، فإذا ذهب الشيطان ذهب النسيان، فذكر الله تعالى سبب للذكر، ولهذا قال { وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ }. وقوله: { وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَداً } أي إذا سئلت عن شيء لا تعلمه فاسأل الله تعالى فيه، وتوجه إليه في أن يوفقك للصواب والرشد في ذلك.