الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ } * { وَٱسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } * { مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ } * { يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ }

يخبر تعالى عما توعدت به الأمم الكافرة رسلهم من الإخراج من أرضهم والنفي من بين أظهرهم، كما قال قوم شعيب له ولمن آمن به:لَنُخْرِجَنَّكَ يٰشُعَيْبُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ } [الأعراف: 88] الآية، وكما قال قوم لوط:أَخْرِجُوۤاْ آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ } [النمل: 56] الآية، ولهذا قال تعالى: { فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ } ، كما قال تعالى:وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [الصافات: 173]، وقال تعالى:كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } [المجادلة: 21]، وقال تعالى:قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱسْتَعِينُوا بِٱللَّهِ وَٱصْبِرُوۤاْ إِنَّ ٱلأَرْضَ للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [الأعراف: 128]، وقال تعالى:وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } [الأعراف: 137]، وقوله: { ذٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ } أي وعيدي، هذا لمن خاف مقامي بين يدي يوم القيامة، وخشي من وعيدي وهو تخويفي وعذابي، كما قال تعالى:فَأَمَّا مَن طَغَىٰ * وَآثَرَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا * فَإِنَّ ٱلْجَحِيمَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } [النازعات: 37-39]، وقال:وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } [الرحمن: 46]، وقوله: { وَٱسْتَفْتَحُواْ } أي استنصرت الرسل ربها على قومهم، وقال ابن أسلم: استفتحت الأمم على أنفسها، كما قالوا:ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [الأنفال: 32]، ويحتمل أن يكون هذا مراداً، وهذا مراداً، كما أنهم استفتحوا على أنفسهم يوم بدر، واستفتح رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستنصر وقال الله تعالى للمشركين:إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } [الأنفال: 19] الآية، { وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } أي متجبر في نفسه عنيد معاند للحق، كقوله تعالى:أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ } [ق: 24-25]. وفي الحديث: " إنه يؤتى بجهنم يوم القيامة، فتنادي الخلائق فتقول: إني وكلت بكل جبار عنيد " الحديث، وقوله: { مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ } وراء هنا بمعنى أمام، كقوله تعالى:وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً } [الكهف: 79]، وكان ابن عباس يقرؤها: وكان أمامهم ملك، أي من وراء الجبار العنيد جهنم، أي هي له بالمرصاد يسكنها مخلداً يوم المعاد، ويعرض عليها غدواً وعشياً إلى يوم التناد، { وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ } أي في النار ليس له شراب إلا من حميم وغساق، كما قال:هَـٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ * وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } [ص: 57-58]، وقال مجاهد: الصديد من القيح والدم. وقال قتادة: هو ما يسيل من لحمه وجلده، وفي رواية عنه: الصديد ما يخرج من جوف الكافر فقد خالط القيح والدم، وفي حديث شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد بن السكن، قالت: " قلت: يا رسول الله ما طينة الخبال؟ قال: " صديد أهل النار "

السابقالتالي
2