الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى ٱلْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ } * { وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ } * { فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } * { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ }

يخبر تعالى عن حالهما حين خرجا يستبقان إلى الباب، يوسف هارب، والمرأة تطلبه ليرجع إلى البيت، فلحقته في أثناء ذلك، فأمسكت بقميصه من ورائه، فقدته قداً فظيعاً، يقال: إنه سقط عنه، واستمر يوسف هارباً ذاهباً، وهي في إثره، فألفيا سيدها وهو زوجها عند الباب، فعند ذلك خرجت مما هي فيه بمكرها وكيدها، وقالت لزوجها متنصلة وقاذفة يوسف بدائها: { مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا } أي فاحشة، { إِلاَّ أَن يُسْجَنَ } أي يحبس، { أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي يضرب ضرباً شديدا موجعاً، فعند ذلك انتصر يوسف عليه السلام بالحق، وتبرأ مما رمته به من الخيانة، و { قَالَ } باراً صادقاً. { هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي } ، وذكر أنها اتبعته تجذبه إليها حتى قدت قميصه، { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ } أي من قدامه { فَصَدَقَتْ } أي في قولها إنه راودها على نفسها لأنه يكون لما دعاها وأبت عليه دفعته في صدره فقدت قميصه فيصح ما قالت، { وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ } وذلك يكون كما وقع لما هرب منها، وطلبته، أمسكت بقميصه من ورائه لترده إليها فقدت قميصه من ورائه، وقد اختلفوا في هذا الشاهد: هل هو صغير أو كبير؟ على قولين لعلماء السلف، فقال ابن عباس: كان من خاصة الملك وكان رجلاً ذا لحية، وقال زيد بن أسلم والسدي: كان ابن عمها، وقال العوفي عن ابن عباس: كان صبياً في المهد، وكذا روي عن الحسن وسعيد بن جبير والضحاك: أنه كان صبياً في الدار، واختاره ابن جرير، وقد ورد فيه حديث مرفوع، رواه ابن جرير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تكلم أربعة وهم صغار " فذكر فيهم شاهد يوسف، ورواه سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: " تكلم أربعة وهم صغار: ابن ماشطة بنت فرعون، وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وعيسى ابن مريم " وقوله: { فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ } أي لما تحقق زوجها صدق يوسف وكذبها فيما قذفته ورمته به { قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ } أي إن هذا البهت واللطخ الذي لطخت عرض هذا الشاب به من جملة كيدكن { إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } ، ثم قال آمراً ليوسف عليه السلام بكتمان ما وقع: { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا } أي اضرب عن هذا صفحاً أي فلا تذكره لأحد، { وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ } يقول لامرأته وقد كان لين العريكة سهلاً أو أنه عذرها لأنها رأت ما لا صبر لها عنه فقال لها: استغفري لذنبك أي الذي وقع منك من إرادة السوء بهذا الشاب ثم قذفه بما هو بريء منه { إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ }.