الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } * { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } * { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } * { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } * { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } * { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ }

هذه ثلاث صفات من صفات الرب عزَّ وجلَّ: (الربوبية) و(الملك) و(الإلٰهية)، فهو رب كل شيء ومليكه وإلٰهه، فجميع الأشياء مخلوقة له مملوكة، فأمر المستعيذ أن يتعوذ بالمتصف بهذه الصفات { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } وهو الشيطان الموكل بالإنسان فإنه ما من أحد من بني آدم إلاّ وله قرين يزيّن له الفواحش، ولا يألوه جهداً في الخبال، والمعصوم من عصمه الله، وقد ثبت في الصحيح: " " ما منكم من أحد إلاّ وقد وكل به قرينه " قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: " نعم إلاّ أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلاّ بخير " " وثبت في الصحيحين " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً - أو قال - شراً " وروى الحافظ أبو يعلى الموصلي، عن أنَس بن مالك، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم، فإن ذكر الله خنس، وإن نسي التقم قلبه، فذلك الوسواس الخناس " وفيه دلالة على أن القلب متى ذكر الله تصاغر الشيطان وغلب، وإن لم يذكر الله تعاظم وغلب، قال ابن عباس في قوله: { ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } قال: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله خنس.

وقوله تعالى: { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } هل يختص هذا ببني آدم كما هو الظاهر، أو يعم بني آدم والجن؟ فيه قولان، ويكونون قد دخلوا في لفظ الناس تغليباً، وقوله: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } هل هو تفصيل لقوله: { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } ثم بيّنهم فقال: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } وهذا يقوي القول الثاني، وقيل قوله: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } تفسير للذي يوسوس في صدور الناس من شياطين الإنس والجن كما قال تعالى:وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً } [الأنعام: 112]، وكما قال الإمام أحمد عن أبي ذر قال: " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فجلست فقال: " يا أبا ذر هل صليت؟ " قلت: لا، قال: " قم فصل " قال: فقمت فصليت، ثم جلست فقال: " يا أبا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الإنس والجن " ، قال، فقلت: يا رسول الله وللإنس شياطين؟ قال: " نعم " " ، وروى الإمام أحمد، عن ابن عباس قال: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني لأحدث نفسي بالشيء، لأن أخر من السماء أحب إليّ من أن أتكلم به، قال؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله الذي ردّ كيده إلى الوسوسة " ".