الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيۤءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ } * { وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ قَالَ يٰقَوْمِ هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللًّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ } * { قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ }

يخبر تعالى عن قدوم الملائكة بعدما أعلموا إبراهيم بهلاكهم وفارقوه، فانطلقوا من عنده فأتوا لوطاً عليه السلام، وهم في أجمل صورة تكون على هيئة شبان حسان الوجوه، ابتلاءً من الله - وله الحكمة والحجة البالغة - فساءه شأنهم وضاقت نفسه بسببهم، وخشي أن يضيفهم أحد من قومه فينالهم بسوء، { وَقَالَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ } ، قال ابن عباس: شديد بلاؤه، وذلك أنه علم أنه سيدافع عنهم ويشق عليه ذلك. وذكر قتادة أنهم أتوه وهو في أرض له فتضيفوه فاستحيا منهم، فانطلق أمامهم وقال لهم في أثناء الطريق كالمعرض لهم بأن ينصرفوا عنه: ما أعلم على وجه الأرض أهل بلد أخبث من هؤلاء، ثم مشى قليلاً، ثم أعاد ذلك عليهم حتى كرره أربع مرات، قال قتادة وقد كانوا أمروا أن لا يهلكوهم حتى يشهد عليهم نبيهم بذلك، قال السدي: خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية لوط فبلغوا نهر سدوم نصف النهار، ولقوا بنت لوط تستقي، فقالوا: يا جارية هل من منزل؟ فقالت: مكانكم حتى آتيكم وفَرِقت عليهم من قومها فأتت أباها فقالت: يا أبتاه أدرك فتياناً على باب المدينة ما رأيت وجوه قوم أحسن منهم لا يأخذهم قومك وكان قومه نهوه أن يضيف رجلاً، فقالوا: خل عنا فلنضيف الرجال، فجاء بهم فلم يعلم بهم أحد إلا أهل بيته، فخرجت امرأته فأخبرت قومها فجاءوا يهرعون إليه، وقوله: { يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ } أي يسرعون ويهرولون من فرحهم بذلك، وقوله: { وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ } أي لم يزل هذا من سجيتهم حتى أخذوا وهم على ذلك الحال، وقوله: { قَالَ يٰقَوْمِ هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } يرشدهم إلى نسائهم، فإن النبي للأمة بمنزلة الوالد، فأرشدهم إلى ما هو أنفع لهم في الدنيا والآخرة، كما قال في الآية الأخرى:وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ } [الشعراء: 166]،قَالَ هَؤُلآءِ بَنَاتِي إِن كُنْتُمْ فَاعِلِينَ } [الحجر: 71]، وقال في هذه الآية الكريمة: { هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } قال مجاهد: لم يكن بناته ولكن كن من أمته وكل نبي أبو أمته، وكذا روي عن قتادة وغير واحد. وقوله: { فَاتَّقُواْ اللًّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي } أي اقبلوا ما آمركم به من الاقتصار على نسائكم، { أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ } أي فيه خير، يقبل ما أمره به ويترك ما أنهاه عنه، { قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ } أي إنك لتعلم أن نساءنا لا أرب لنا فيهن ولا نشتهيهن، { وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ } أي ليس لنا غرض إلا في الذكور وأنت تعلم ذلك، فأي حاجة في تكرار القول علينا في ذلك؟ قال السدي: { وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ } إنما نريد الرجال.