الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱرْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَٱلْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يٰبُنَيَّ ٱرْكَبَ مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ ٱلْكَافِرِينَ } * { قَالَ سَآوِيۤ إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ ٱلْمَآءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا ٱلْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ }

يقول تعالى إخباراً عن نوح عليه السلام للذين أمر بحملهم معه في السفينة أنه قال: { ٱرْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا وَمُرْسَاهَا } أي بسم الله يكون جريها على وجه الماء، وبسم الله يكون منتهى سيرها وهو رسوها. قال تعالى:فَإِذَا ٱسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى ٱلْفُلْكِ فَقُلِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي نَجَّانَا مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } [المؤمنون: 28]، ولهذا تستحب التسمية في ابتداء الأمور، عند الركوب على السفينة وعلى الدابة، كما روى الطبراني، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أمان أمتي من الغرق إذا ركبوا في السفن أن يقولوا: بسم الله الملك { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } - الآية - { بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } " ، وقوله: { إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } مناسب عند ذكر الانتقام من الكافرين بإغراقهم أجمعين فذكر أنه غفور رحيم كقوله:إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } [الأعراف: 167]، وقوله: { وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَٱلْجِبَالِ } أي السفينة سائرة بهم على وجه الماء، الذي قد طبق جميع الأرض، حتى طغت على رؤوس الجبال، وارتفع عليها بخمسة عشرة ذراعاً، وقيل: بثمانين ميلاً، وهذه السفينة جارية على وجه الماء بإذن الله وكنفه وعنايته، كما قال تعالى:إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي ٱلْجَارِيَةِ * لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } [الحاقة: 11-12]، وقال تعالى:تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ } [القمر: 14]، وقوله: { وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبْنَهُ } الآية، هذا هو الابن الرابع واسمه يام وكان كافراً، دعاه أبوه أن يؤمن ويركب معهم، ولا يغرق مثل ما يغرق الكافرون، { قَالَ سَآوِيۤ إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ ٱلْمَآءِ } اعتقد بجهله أن الطوفان لا يبلغ إلى رؤوس الجبال، وأنه لو تعلق في رأس بجل لنجّاه ذلك من الغرق، فقال له أبوه نوح عليه السلام { لاَ عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ } أي ليس شيء يعصم اليوم من أمر الله، وقيل إنّ { عَاصِمَ } بمعنى (معصوم) كما يقال: طاعم وكاس، بمعنى مطعوم ومكسو { وَحَالَ بَيْنَهُمَا ٱلْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ }.