يخبر تعالى عن حال المؤمنين الذين هم على فطرة الله تعالى، التي فطر عليها عباده، كما قال تعالى:{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا } [الروم: 30] الآية. وفي " الصحيحين ": " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه " الحديث، وفي " صحيح مسلم ": " يقول الله تعالى إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً " فالمؤمن باق على هذه الفطرة، وقوله: { وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ } أي وجاءه شاهد من الله، وهو ما أوحاه إلى الأنبياء من الشرائع المطهرة المكملة المعظمة، المختتمة بشريعة محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولهذا قال ابن عباس ومجاهد: { وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ } إنه جبريل عليه السلام، وعن علي والحسن وقتادة: هو محمد صلى الله عليه وسلم، وكلاهما قريب في المعنى، لأن كلا من جبريل ومحمد صلوات الله عليهما بلغ رسالة الله تعالى، ولهذا قال تعالى: { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ } وهو القرآن بلّغه جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبلّغه النبي إلى أمته، ثم قال تعالى: { وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ } أي ومن قبل القرآن كتاب موسى وهو التوراة { إِمَاماً وَرَحْمَةً } أي أنزله الله تعالى إلى تلك الأمة إماماً لهم، وقدوة يقتدون بها ورحمة من الله بهم، فمن آمن به حق الإيمان قاده ذلك إلى الإيمان بالقرآن، ولهذا قال تعالى: { أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } ثم قال تعالى متوعداً لمن كذب بالقرآن أو بشيء منه، { وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ ٱلأَحْزَابِ فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ } أي ومن كفر بالقرآن من سائر أهل الأرض، مشركهم وكافرهم وأهل الكتاب وغيرهم من سائر طوائف بني آدم ممن بلغه القرآن، كما قال تعالى:{ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ } [الأنعام: 19] { فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ } كما ورد في " الصحيح " " والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار " ، وقال سعيد بن جبير: كنت لا أسمع بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم على وجهه إلا وجدت تصديقه في القرآن، فبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني فلا يؤمن بي إلا دخل النار " ، فجعلت أقول: أين مصداقه في كتاب الله؟ حتى وجدت هذه الآية: { وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ ٱلأَحْزَابِ فَٱلنَّارُ مَوْعِدُه } ، قال: من الملل كلها، وقوله: { فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ } الآية، أي القرآن حق من الله لا مرية ولا شك فيه، كما قال تعالى:{ تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [السجدة: 2]، وقال تعالى:{ الۤمۤ * ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ } [البقرة: 1-2]، وقوله: { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } ، كقوله تعالى:{ وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } [يوسف: 103] وقوله:{ وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي ٱلأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [الأنعام: 116].