الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ } * { فَذَلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ } * { وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } * { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ } * { ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } * { ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ } * { وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ }

يقول تعالى: { أَرَأَيْتَ } يا محمد { ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ } وهو المعاد والجزاء والثواب { فَذَلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ } أي هو الذي يقهر اليتيم ولا يطعمه ولا يحسن إليه { وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } كقولهوَلاَ تَحَآضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } [الفجر: 18]، ثم قال تعالى: { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } قال ابن عباس: يعني المنافقين الذين يصلون في العلانية، ولا يصلون في السر، ولهذا قال: { لِّلْمُصَلِّينَ } الذين من أهل الصلاة ثم هم عنها ساهون، إما عن فعلها بالكلية، أو يخرجها عن وقتها، وقال عطاء بن دينار: الحمد لله الذي قال: { عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } ولم يقل { في صلاتهم ساهون } فيؤخرونها إلى آخر الوقت، أو لا يؤدونها بأركانها وشروطها عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها، فاللفظ يشمل ذلك كله، كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعاً، لا يذكر الله فيها إلاّ قليلاً " ، فهذا أخّر صلاة العصر التي هي الوسطى - كما ثبت به النص - إلى آخر وقتها، وهو وقت كراهة، ثم قال إليها فنقرها نقر الغراب، لم يطمئن ولا خشع فيها أيضاً، ولهذا قال: " لا يذكر الله فيها إلاّ قليلاً " ولعله إنما حمله على القيام إليها مراءاة الناس، لا ابتغاء وجه الله، فهو كما إذا لم يصل بالكلية، قال الله تعالى:إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } [النساء: 142]، وقال تعالى هٰهنا: { ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ } ، وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن في جهنم لوادياً تستعيذ جهنم من ذلك الوادي في كل يوم أربعمائة مرة، أعدّ ذلك الوادي للمرائين من أمة محمد: لحامل كتاب الله، وللمصدق في غير ذات الله، وللحاج إلى بيت الله، وللخارج في سبيل الله " وروى الإمام أحمد عن عمرو بن مرة قال: كنا جلوساً عند أبي عبيدة، فذكروا الرياء، فقال رجل يكنى بأبي يزيد: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سمّع بعمله سمّع الله به سامع خلقه وحقّره وصغّره " ، ومما يتعلق بقوله تعالى: { ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ } أن من عمل عملاً لله فاطلع عليه الناس فأعجبه ذلك أن هذا لا يعد رياء، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " كنت أصلي، فدخل عليّ رجل، فأعجبني ذلك فذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " كتب لك أجران: أجر السر، وأجر العلانية "

السابقالتالي
2