الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ }

لما تقدم الثناء على المسؤول تبارك وتعالى ناسب أن يعقب بالسؤال، وهذا أكمل أحوال السائل أن يمدح مسؤوله ثم يسأل حاجته، لأنه أنجح للحاجة، وأنجع للإجابة ولهذا أرشد الله إليه لأنه الأكمل.

والهداية هٰهنا: الإرشاد والتوفيق وقد تُعدَّى بنفسها { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ } وقد تعدى بإلىفَٱهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْجَحِيمِ } [الصافات: 23] وقد تُعدى باللامٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا } [الأعراف: 43] أي وفقنا وجعلنا له أهلاً، وأمّا { ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } فهو في لغة العرب: الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه، ثم تستعير العرب الصراط في كل قول وعمل وصف باستقامة أو اعوجاج، واختلفت عبارات المفسرين من السلف والخلف في تفسير { ٱلصِّرَاطَ } وإن كان يرجع حاصلها إلى شيء واحد وهو (المتابعة لله وللرسول)، فروي أنه كتاب الله، وقيل: إنه الإسلام، قال ابن عباس: هو دين الله الذي لا اعوجاج فيه، وقال ابن الحنفية: هو دين الله الذي لا يقبل من العباد غيره، وقد فسّر الصراط بالإسلام في حديث (النواس بن سمعان) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً، وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبوابٌ مفتَّحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داعٍ يقول: يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعاً ولا تعوجوا، وداعٍ يدعوا من فوق الصراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب قال: ويْحك لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجْه، فالصراط الإسلام، والسوران حدود الله، والأبواب المفتحة محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله، والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم " وقال مجاهد: الصراط المستقيم: الحق، وهذا أشمل ولا منافاة بينه وبين ما تقدم، قال ابن جرير رحمه الله: والذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي أن يكون معنياً به وفقنا للثبات على ما ارتضيته ووفقت له من أنعمت عليه من عبادك من قول وعمل، وذلك هو الصراط المستقيم لأن من وُفِّق لما وفِّق له من أنعم عليهم من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين فقد وفّق للإسلام.

(فإن قيل): فكيف يسأل المؤمن الهداية في كل وقت من صلاة وهو متصف بذلك؟

فالجواب: أن العبد مفتقر في كل ساعةٍ وحالة إلى الله تعالى في تثبيته على الهداية ورسوخه فيها واستمراره عليها، فأرشده تعالى إلى أن يسأله في كل وقت أن يمده بالمعونه والثبات والتوفيق، فقد أمر تعالى الذين آمنوا بالإيمان:يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } [النساء: 136]، والمراد الثباتُ والمداومةُ على الأعمال المعينة على ذلك والله أعلم.