الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ } * { وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } * { وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } * { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } * { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ } * { وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } * { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ } * { وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ } * { وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ } * { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ } * { وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ } * { إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ } * { وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَٱلأُولَىٰ } * { فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّىٰ } * { لاَ يَصْلَٰهَآ إِلاَّ ٱلأَشْقَى } * { ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } * { وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلأَتْقَى } * { ٱلَّذِى يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ } * { وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ } * { إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ ٱلأَعْلَىٰ } * { وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ }

اللغَة: { تَجَلَّىٰ } انكشف وظهر { شَتَّىٰ } متفرق ومختلف { ٱلْحُسْنَىٰ } الكلمة الحسنى وهي كلمة التوحيد { الْيُسْرَىٰ } الخصلة المؤدية الى اليسر والراحة وهي الجنة { الْعُسْرَىٰ } الخصلة المؤدية إلى العسر والشدة وهي جهنم { تَرَدَّىٰ } هلك وسقط في الهاوية { تَلَظَّىٰ } أصلها تتلظى أي تتلهب وتتوقد { يَصْلاَهَآ } يدخلها ويقاسي حرها.

المنَاسَبَة: روي أن بلالاً رضي الله عنه كان عبداً مملوكاً لـ " أُمية بن خلف " وكان سيده يعذبه لإِسلامه، ويخرجه إِذا حميت الشمسُ فيطرحه على ظهره ببطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول له: لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد!! فيقول وهو في تلك الحالة: أحدٌ، أحد، فمرَّ به أبو بكر الصديق وهم يصنعون به ذلك، فقال لأمية: ألا تتقي الله في هذا المسكين!! فقال له: أنت أفسدته عليَّ فأنقذه مما ترى، فاشتراه أبو بكرٍ منه وأعتقه في سبيل الله، فقال المشركون: إِنما أعتقه ليدٍ كانت له عنده فنزلت { وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ * إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ ٱلأَعْلَىٰ * وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ }.

التفسِير: { وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ } أي أُقسمُ بالليل إِذا غطَّى بظلمته الكون، وستر بشبحه الوجود { وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } أي وأُقسمُ بالنهار إِذا تجلَّى وانكشف، وأنار العالم وأضاء الكون قال المفسرون: أقسم تعالى بالليل لأنه سكنٌ لكافة الخلق، يأوي فيه الإِنسان والحيوان إِلى مأواه، ويسكن عن الاضطراب والحركة، ثم أقسم بالنهار لأن فيه حركة الخلق وسعيهم إِلى اكتساب الرزق، والحكمة في هذا القسم ما في تعاقب الليل والنهار من مصالح لا تُحصى فإِنه لو كان العمر كله ليلاً لتعذر المعاش، ولو كان كله نهاراً لما سكن الإِنسان إلى الراحة، ولاختلت مصالح البشر { وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } أي وأُقسمُ بالقادر العظيم الذي خلق صنفي الذكر والأنثى، من نطفةٍ إِذا تمنى.. أقسم تعالى بذاته على خلق النوعين { ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } للتنبيه على أنه الخالق المبدع الحكيم، إِذْ لا يُعقل أن هذا التخالف بين الذكر والأنثى يحصل بمحض الصدفة من طبيعة بلهاء لا شعور لها فإِن الأجزاء الأصلية في المنيّ متساوية، فتكوينُ الولد من عناصر واحدة تارةً ذكراً، وتارة أنثى، دليلٌ على أن واضع هذا النظام عالم، بما يفعل، محكم لما يصنع { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } هذا هو جواب القسم أي إِن عملكم لمختلف، فمنكم تقيٌ ومنكم شقي، ومنكم صالحٌ ومنكم طالح، ثم فسَّره بقوله { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ } أي فأما من أعطى ماله وأنفق ابتغاء وجه الله، واتقى ربه فكف عن محارم الله قال ابن كثير: أعطى ما أُمر باخراجه، واتقى الله في أموره { وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } أي وصدَّق بالجنة التي أعدَّها الله للأبرار { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ } أي فسنهيئه لعمل الخير، ونسهّل عليه الخصلة المؤدية لليسر، وهي فعل الطاعات وترك المحرمات { وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ } أي وأمَّا من بخل بإِنفاق المال، واستغنى عن عبادة ذي الجلال قال ابن عباس: بخل بماله، واستغنى عن ربه عزَّ وجل { وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ } أي وكذَّب بالجنة ونعيمها { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ } أي فسنهيئه للخصلة المؤدية للعسر، وهي الحياة السيئة في الدنيا والآخرة وهي طريق الشر قال المفسرون: سمَّى طريقة الخير يسرى لأن عاقبتها اليسر وهي دخول الجنة دار النعيم، وسمَّى طريقة الشرِّ عسرى لأن عاقبتها العسر وهو دخول الجحيم { وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ } استفهام إِنكاري أيْ أيُّ شيء ينفعه ماله إِذا هلك وهوى في نار جهنم؟ هل ينفعه المال، ويدفع عنه الوبال؟ { إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ } أي إِنَّ علينا أن نبيِّن للناس طريق الهدى من طريق الضلالة، ونوضّح سبيل الرشد من سبيل الغي كقوله

السابقالتالي
2