المنَاسَبَة: لا تزال الآيات الكريمة تتحدث عن المنافقين توضيحاً لخطرهم، وتحذيراً للمؤمنين من مكائدهم، وفي هذه الآيات ذكر تعالى نوعاً آخر من قبائحهم، وهو إِيذاؤهم للرسول صلى الله عليه وسلم، وإِقدامهم على الأيمان الكاذبة، واستهزاؤهم بآيات الله وشريعته المطهرة، إِلى غير ما هنالك من الأعمال المنكرة، والأفعال الخبيثة. اللغَة: { أُذُنٌ } قال الجوهري: يقال رجل أذن إِذا كان يسمع مقال كل أحد، يستوي فيه الواحد والجمع وقال الزمخشري: الأذن: الرجل الذي يصدق كل ما يسمع، ويقبل قول كل أحد، سمي بالجارحة التي هي آلة السماع. قال الشاعر:
قد صرت أذناً للوشاة سميعة
ينالون من عرضي ولو شئت ما نالوا
{ يُحَادِدِ } المحادة: المخالفة والمعاداة كالمشاقة وهي أن يكون كل واحد من المتخاصمين في حد وشق غير ما عليه صاحبه { بِخَلاقِهِمْ } الخلاق: النصيب كقوله{ وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ } [البقرة: 200] وقد تقدم { وَخُضْتُمْ } الخوض: الدخول في اللهو والباطل وهو مستعار من الخوض في الماء { حَبِطَتْ } بطلت وذهب ثوابها { وَٱلْمُؤْتَفِكَاتِ } الائتفاك: الانقلاب ويراد بهم قوم لوط لأن أرضهم ائتكفت بهم أي انقلبت، وقيل هو مجاز عن انقلاب حالها من الخير إلى الشر كقول ابن الرومي:
وما الخسف أن تلقى أسافل بلدة
أعاليها بل أن تسود الأراذل
سَبَبُ النّزول: أ - كان جماعة من المنافقين يؤذون رسول الله ويقولون فيه ما لا ينبغي، فقال بعضهم: لا تفعلوا فإِنا نخاف أن يبلغه ما تقولون فيقع بنا، فقال " الجلاس بن سويد ": نقول ما شئنا ثم نأتيه فيصدقنا بما نقول فإِنما محمد أذن سامعة فأنزل الله { وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ.. }. ب - قال مجاهد: كان المنافقون يعيبون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بينهم ثم يقولون عسى الله أن لا يفشي سرنا فأنزل الله { يَحْذَرُ ٱلْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم.. } الآية. التفسِير: { وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ } أي ومن المنافقين أناس يؤذون الرسول بأقوالهم وأفعالهم { وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ } أي يصدّق بكل خبرٍ يسمعه { قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ } أي هو أذن خير لا أذن شر، يسمع الخير فيعمل به، ولا يعمل بالشر إِذا سمعه { يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ } أي يصدِّق الله فيما يقول، ويصدِّق المؤمنين فيما يخبرونه به لعلمه بإِخلاصهم { وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ } أي وهو رحمة للمؤمنين لأنه كان سبب إِيمانهم { وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي والذين يعيبون الرسول ويقولون ما لا يليق بجنابه الشريف لهم عذاب موجع في الآخرة { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ } أي يحلفون لكم أنهم ما قالوا شيئاً فيه انتقاص للرسول ليرضوكم بتلك الأيمان { وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } أي والحال أنه تعالى ورسوله أحق بالإِرضاء، ولا يكون ذلك إِلا بالطاعة، والمتابعة، وتعظيم أمره عليه السلام { إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ } أي إِن كانوا حقاً مؤمنين فليرضوا الله ورسوله { أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي ألم يعلم هؤلاء المنافقون أنه من يعادي ويخالف الله والرسول، والاستفهام للتوبيخ { فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا } أي فقد حق دخوله جهنم وخلوده فيها { ذٰلِكَ ٱلْخِزْيُ ٱلْعَظِيمُ }.