الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ } * { أَن جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ } * { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ } * { أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } * { أَمَّا مَنِ ٱسْتَغْنَىٰ } * { فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ } * { وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّىٰ } * { وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسْعَىٰ } * { وَهُوَ يَخْشَىٰ } * { فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ } * { كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ } * { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } * { فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ } * { مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ } * { بِأَيْدِي سَفَرَةٍ } * { كِرَامٍ بَرَرَةٍ } * { قُتِلَ ٱلإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ } * { مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ } * { مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ } * { ثُمَّ ٱلسَّبِيلَ يَسَّرَهُ } * { ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ } * { ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ } * { كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ } * { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ } * { أَنَّا صَبَبْنَا ٱلْمَآءَ صَبّاً } * { ثُمَّ شَقَقْنَا ٱلأَرْضَ شَقّاً } * { فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً } * { وَعِنَباً وَقَضْباً } * { وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً } * { وَحَدَآئِقَ غُلْباً } * { وَفَاكِهَةً وَأَبّاً } * { مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ } * { فَإِذَا جَآءَتِ ٱلصَّآخَّةُ } * { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ } * { وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ } * { وَصَٰحِبَتِهِ وَبَنِيهِ } * { لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } * { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ } * { ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ } * { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ } * { تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ } * { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَفَرَةُ ٱلْفَجَرَةُ }

اللغَة: { عَبَسَ } كلح وجهه وقطَّب { تَصَدَّىٰ } تتعرض له وتصغي لكلامه { سَفَرَةٍ } السفرة: الملائكة الكرام الكاتبون لأعمال العباد جمع سافر مثل كاتب كَتَبة { فَأَقْبَرَهُ } جعل له قبراً وأمر أن يُقْبر { قَضْباً } القضبُ: كل ما يقطع من البقول فينبت أصلهُ مثل البرسيم " الفصة " والباقلاء، والكُرَّاث وغيرها { غُلْباً } كثيرة الأشجار ملتفة الأغصان جمع غلباء { أَبّاً } الأبُّ: المرعى وكل ما أنبتت الأرض مما تأكله البهائم كالكلأ والعشب { ٱلصَّآخَّةُ } الصيحة التي تصمُّ الآذان لشدتها { مُّسْفِرَةٌ } مشرقة مضيئة { غَبَرَةٌ } غبار ودخان { قَتَرَةٌ } سواد وظلمة.

سَبَبُ النّزول: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مشغولاً مع صناديد قريش يدعوهم إِلى الإِسلام، وكان يطمع في إِسلامهم رجاء أن يسلم أتباعهم، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم مشتغل بمن عنده من وجوه قريش، جاء إِليه " عبد الله بن أُم مكتوم " وهو أعمى، فقال يا رسول الله: علمني مما علَّمك الله، وكرَّر ذلك وهو لا يعلم أن الرسول مشغول مع هؤلاء المشركين، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعه لكلامه، وعبس وأعرض عنه وقال في نفسه: يقول هؤلاء إِنما أتباعه العميان والسَّفلة والعبيد، فعبس وجهه وأقبل على القوم يكلمهم فأنزل الله { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ * أَن جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ } الآيات.

التفسِير: { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ * أَن جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ } أي كلح وجهه وقطَّبه وأعرض عنه كارهاً، لأنْ جاءه الاعمى يسأل عن أمور دينه قال الصاوي: إِنما أتى بضمائر الغيبة { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ } تلطفاً به صلى الله عليه وسلم وإِجلالاً له، لما في المشافهة بتاء الخطاب ما لا يخفى من الشدة والصعوبة واسم الأعمى " عبد الله بن أم مكتوم " وكان بعد نزول آيات العتاب إِذا جاءه يقول له: " مرحباً بمن عاتبني فيه ربي، ويبسط له رداءه " { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ } أي وما يُعلمك ويخبرك يا محمد لعلَّ هذا الأعمى الذي عبستَ في وجهه، يتطهر من ذنوبه بما يتلقاه عنك من العلم والمعرفة!! { أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } أي أو يتعظ بما يسمع فتنفعه موعظتك!! { أَمَّا مَنِ ٱسْتَغْنَىٰ } أي أما من استغنى عن اللهِ وعن الإِيمان، بما له من الثروة والمال { فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ } أي فأنت تتعرَّض له وتصغي لكلامه، وتهتم بتبليغه دعوتك { وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّىٰ } أي ولا حرج عليك أن لا يتطهر من دنس الكفر والعصيان، ولست بمطالبٍ بهدايته، إنما عليك البلاغ قال الألوسي: وفيه مزيد تنفيرٍ له صلى الله عليه وسلم عن مصاحبتهم، فإِن الإِقبال على المدبر مخلٌّ بالمروءة كما قال القائل:
واللهِ لو كرهتْ كفي مُصاحبتي   يوماً لقلتُ لها عن صُحْبتي بيْني
{ وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسْعَىٰ } أي وأمَّا من جاءك يسرع ويمشي في طلب العلم للهِ ويحرص على طلب الخير { وَهُوَ يَخْشَىٰ } أي وهو يخاف الله تعالى ويتقي محارمه { فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ } أي فأنت يا محمد تتشاغل عنه، وتتلهى بالانصراف عنه إِلى رؤساء الكفر والضلال!! { كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ } أي لا تفعل بعد اليوم مثل ذلك، فهذه الآيات موعظة وتبصرة للخلق، يجب أن يتعظ بها ويعمل بموجبها العقلاء { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } أي فمن شاء من عباد الله اتعظ بالقرآن، واستفاد من إِرشاداته وتوجيهاته، قال المفسرون: كان صلى الله عليه وسلم بعد هذا العتاب، لا يعبس في وجه فقير قط، ولا يتصدى لغني أبداً، وكان الفقراء في مجلسه أمراء، وكان إِذا دخل عليه " ابن أم مكتوم " يبسط له رداءه ويقول: مرحباً بمن عاتبني فيه ربي.

السابقالتالي
2 3 4