الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } * { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَٰناً وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } * { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } * { أُوْلۤـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } * { كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ } * { يُجَادِلُونَكَ فِي ٱلْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ٱلْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ } * { وَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحْدَى ٱلطَّآئِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ ٱلشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ ٱلْكَافِرِينَ } * { لِيُحِقَّ ٱلْحَقَّ وَيُبْطِلَ ٱلْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ } * { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ } * { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلأَقْدَامَ } * { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } * { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { ذٰلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ ٱلنَّارِ } * { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ ٱلأَدْبَارَ } * { وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ وَلِيُبْلِيَ ٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاۤءً حَسَناً إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { ذٰلِكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ ٱلْكَافِرِينَ } * { إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ } * { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } * { إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلْبُكْمُ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } * { وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ }

اللغَة: { ٱلأَنْفَالِ } الغنائم جمع نفل بالفتح وهو الزيادة وسميت الغنائم به لأنها زيادة على القيام بحماية الدين والأوطان، وتسمى صلاة التطوع نفلاً، وولد الولد نافلة لهذا المعنى قال لبيد:
إنَّ تقوى ربّنا خير نفل   وبإِذن اللهِ ريثي والعجل
{ وَجِلَتْ } الوجل: الخوف والفزع { ذَاتِ ٱلشَّوْكَةِ } الشوكة: السلاح وأصلها من الشَّوك قال أبو عبيدة: ومجاز الشوكة الحد يقال: ما أشدَّ شوكة بني فلان أي حدّهم { تَسْتَغِيثُونَ } الاستغاثة: طلب النصرة والعون { مُرْدِفِينَ } متتابعين يتلو بعضهم بعضاً وردف وأردف بمعنى واحد أي تبع قال الطبري: العرب تقول: أردفته وردِفته بمعنى تبعته وأتبعته قال الشاعر:
إِذا الجوزاء أردفت الثريا   
{ بَنَانٍ } البنان: جمع بنانة وهي أطراف أصابع اليدين والرجلين قال عنترة:
وكان فتى الهيجاء يحمي ذِمارها   ويضرب عند الكَربِ كلَّ بنان
{ زَحْفاً } الزحف: الدنو قليلاً مأخوذ من زحف الصبي إذا مشى على أليته قليلاً قليلاً ثم سمي به الجيش الكثير العدد لأنه لكثرته وتكاثفه يرى كأنه يزحف زحفاً { مُتَحَيِّزاً } منضماً يقال: تحيّز أي انضم واجتمع إِلى غيره { بَآءَ } رجع { مُوهِنُ } مضعف { تَسْتَفْتِحُواْ } استفتح: أي طلب الفتح والنصرة على عدوه.

سَبَبُ النّزول: أ - عن ابن عباس قال: " لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قتل قتيلاً فله كذا وكذا، ومن أسر أسيراً فله كذا وكذا، فأما المشيخة فثبتوا تحت الرايات، وأما الشبان فتسارعوا الى القتل والغنائم فقال المشيخة للشبان: أشركونا معكم فإِننا كنا لكم ردءاً ولو كان منكم شيء للجأتم إِلينا فأبوا واختصموا إِلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ } الآية فقسَّم صلى الله عليه وسلم الغنائم بينهم بالسوية ".

ب - روي " أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ قبضة من تراب يوم بدر فرمى بها في وجوه القوم وقال: شاهت الوجوه فما بقي أحد من المشركين إلا أصاب عينيه ومنخريه تراب من تلك القبضة وولوا مدبرين فنزلت { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ.. } " الآية.

التفسِير: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ } أي يسألك أصحابك يا محمد عن الغنائم التي غنمتها من بدر لمن هي؟ وكيف تقسم؟ { قُلِ ٱلأَنفَالُ للَّهِ وَٱلرَّسُولِ } أي قل لهم: الحكم فيها لله والرسول لا لكم { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي اتقوا الله بطاعته واجتناب معاصيه { وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ } أي أصلحوا الحال التي بينكم بالائتلاف وعدم الاختلاف { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي أطيعوا أمر الله وأمر رسوله في الحكم في الغنائم قال عبادة بن الصامت: نزلت فينا أصحاب بدر حين اختلفنا وساءت أخلاقنا، فنزع الله الأنفال من أيدينا وجعلها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمها على السواء فكان في ذلك تقوى الله، وطاعة رسوله، وإِصلاح ذات البين { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } شرط حذف جوابه أي إِن كنتم حقاً مؤمنين كاملين في الإِيمان فأطيعوا الله ورسوله { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ } أي إِنما الكاملون في الإِيمان المخلصون فيه { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } أي إِذا ذكر اسم الله فزعت قلوبهم لمجرد ذكره، استعظاماً لشأنه، وتهيباً منه جلَّ وعلا { وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً } أي إِذا تليت عليهم آيات القرآن ازداد تصديقهم ويقينهم بالله { وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } أي لا يرجون غير الله ولا يرهبون سواه قال في البحر: أخبر عنهم باسم الموصول بثلاث مقامات عظيمة وهي: مقام الخوف، ومقام الزيادة في الإِيمان، ومقام التوكل على الرحمن { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ } أي يؤدون الصلاة على الوجه الأكمل بخشوعها وفروضها وآدابها { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } أي وينفقون في طاعة الله مما أعطاهم الله، وهو عام في الزكاة ونوافل الصدقات { أُوْلۤـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } أي المتصفون بما ذكر من الصفات الحميدة هم المؤمنون إِيماناً حقاً لأنهم جمعوا بين الإِيمان وصالح الأعمال { لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ } أي لهم منازل رفيعة في الجنة { وَمَغْفِرَةٌ } أي تكفير لما فرط منهم من الذنوب { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } أي رزق دائم مستمر مقرون بالإِكرام والتعظيم { كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِٱلْحَقِّ } الكاف تقتضي مشبّهاً قال ابن عطية: شبهت هذه القصة التي هي إِخراجه من بيته بالقصة المتقدمة التي هي سؤالهم عن الأنفال وكراهتهم لما وقع فيها، والمعنى: حالهم في كراهة تنفيل الغنائم كحالهم في حالة خروجك للحرب وقال الطبري: المعنى: كما أخرجك ربك بالحق على كرهٍ من فريقٍ من المؤمنين كذلك يجادلونك في الحق بعد ما تَبيَّن، والحقُّ الذي كانوا يجادلون فيه النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما تبيّنوه هو القتال { وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ } أي والحال أن فريقاً منهم كارهون للخروج لقتال العدو خوفاً من القتل أو لعدم الاستعداد { يُجَادِلُونَكَ فِي ٱلْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ } أي يجادلونك يا محمد في شأن الخروج للقتال بعد أن وضح لهم الحق وبان، وكان جدالهم هو قولهم: ما كان خروجنا إِلاّ للعير ولو عرفنا لاستعددنا للقتال { كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ٱلْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ } قال البيضاوي: أي يكرهون القتال كراهة من ينساق إِلى الموت وهو يشاهد أسبابه، وذلك لقلة عددهم وعدم تأهبهم، وفيه إِيماء إِلى أن مجادلتهم إِنما كانت لفرط فزعهم ورعبهم { وَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحْدَى ٱلطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ } أي اذكروا حين وعدكم الله يا أصحاب محمد إِحدى الفرقتين أنها لكم غنيمة إِما العير أو النفير { وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ ٱلشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ } أي وتحبون أن تلقوا الطائفة التي لا سلاح لها وهي العير لأنها كانت محمّلة بتجارة قريش قال المفسرون:

السابقالتالي
2 3 4 5 6