الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوۤءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَماَّ تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } * { فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا فَتَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } * { وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلآ أَنْفُسَهُمْ يَنصُرُونَ } * { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَٰمِتُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَٱدْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ } * { إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّالِحِينَ } * { وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلاۤ أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ } * { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَٰهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } * { خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } * { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } * { وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي ٱلْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ } * { وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ ٱجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يِوحَىٰ إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـٰذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْآنُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ وَلاَ تَكُنْ مِّنَ ٱلْغَافِلِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ }

المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى موقف المستهزئين من دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر هنا طرفاً من عنادهم واستهزائهم بسؤالهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن وقت قيام الساعة، ثم ذكر الحجج والبراهين على بطلان عقيدة المشركين في عبادة الأوثان والأصنام، وختم السورة الكريمة ببيان عظمة شأن القرآن ووجوب الاستماع والإِنصات عند تلاوته.

اللغَة: { مُرْسَاهَا } استقرارها وحصولها من أرساه إِذا أثبته وأقره ومنه رست السفينة إذا ثبتت ووقفت { يُجَلِّيهَا } يظهرها، والتجلية: الكشفُ والإِظهار { حَفِيٌّ } الحفيُّ: المستقصي للشيء المعتني بأمره قال الأعشى:
فإن تسألي عنّي فيا ربَّ سائلٍ   حفيٍّ عن الأعشى به حيث أصْعَدا
والإِحفاء الاستقصاء ومنه إحفاء الشوارب وحفي عن الشيء إذا بحث للتعرف عن حاله { ٱلْعُرْفِ } المعروف وهو كل خصلة حميدة ترتضيها العقول وتطمئن إليها النفوس { ٱلآصَالِ } جمع أصيل قال الجوهري: والأصيل الوقت بعد العصر إلى المغرب.

سَبَبُ النّزول: روي أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كنتَ نبياً فأخبرنا عن الساعة متى تقوم؟ فأنزل الله { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا }.

التفسِير: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ } أي يسألونك يا محمد عن القيامة { أَيَّانَ مُرْسَاهَا } أي متى وقوعها وحدوثها؟ وسميت القيامة ساعة لسرعة ما فيها من الحساب كقولهوَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ } [النحل: 77] { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي } أي قل لهم يا محمد لا يعلم الوقت الذي يحصل قيام القيامة فيه إلا الله سبحانه ثم أكَّد ذلك بقوله { لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ } أي لا يكشف أمرها ولا يظهرها للناس إلا الرب سبحانه بالذات فهو العالم بوقتها { ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي عظُمت على أهل السماوات والأرض حيث يشفقون منها ويخافون شدائدها وأهوالها { يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } أي يسألونك يا محمد عن وقتها كأنك كثير السؤال عنها شديد الطلب لمعرفتها { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ } أي لا يعلم وقتها إلا الله لأنها من الأمور الغيبية التي استأثر بها علاّم الغيوب { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أي لا يعلمون السبب الذي لأجله أُخْفيتْ قال الإِمام الفخر: والحكمة في إخفاء الساعة عن العباد أنهم إذا لم يعلموا متى تكون كانوا على حذرٍ منها فيكون ذلك أدعى إلى الطاعة وأزجر عن المعصية { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } أي لا أملك أن أجلب إلى نفسي خيراً ولا أدفع عنها شراً إلا بمشيئته تعالى فكيف أملك علم الساعة؟ { وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ } أي لو كنت أعرف أمور الغيب لحصّلت كثيراً من منافع الدنيا وخيراتها ودفعت عني آفاتها ومضراتها { وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوۤءُ } أي لو كنت أعلم الغيب لاحترست من السوء ولكنْ لا أعلمه فلهذا يصيبني ما قُدَّر لي من الخير والشر { إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ } أي ما أنا إلا عبد مرسل للإِنذار والبشارة { لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أي لقوم يصدقون بما جئتهم به من عند الله { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } أي هو سبحانه ذلك العظيم الشأن الذي خلقكم جميعاً وحده من غير معين من نفسٍ واحدة هي آدم عليه السلام { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } أي وخلق منها حواء { لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } أي ليطمئن إليها ويستأنس بها { فَلَماَّ تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً } أي فلما جامعها حملت بالجنين حملاً خفيفاً دون إزعاج لكونه نطفةً في بادئ الأمر قال ابو السعود: فإنه عند كونه نطفة أو علقة أخف عليها بالنسبة إلى ما بعد ذلك من المراتب، والتعرضُ لذكر خفته للإِشارة الى نعمته تعالى عليهم في إنشائه إياهم متدرجين في أطوار الخلق من العدم إلى الوجود، ومن الضعف إلى القوة { فَمَرَّتْ بِهِ } أي استمرت به إلى حين ميلاده { فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ } أي ثقل حملها وصارت به ثقيلة لكبر الحمل في بطنها { دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا } أي دعوا الله مربيهما ومالك أمرهما { لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } أي لئن رزقتنا ولداً صالحاً سويَّ الخِلْقة لنشكرنَّك على نعمائك { فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً } أي فلما وهبهما الولد الصالح السويّ { جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا } أي جعل هؤلاء الأولاد والذرية شركاء مع الله فعبدوا الأوثان والأصنام { فَتَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي تنزّه وتقدّس الله عما ينسبه إليه المشركون { أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً } الاستفهام للتوبيخ أي أيشركون مع الله ما لا يقدر على خلق شيء أصلاً { وَهُمْ يُخْلَقُونَ } أي والحال أن تلك الأوثان والآلهة مخلوقة فكيف يعبدونها مع الله؟ قال القرطبي: وجمع الضمير بالواو والنون لأنهم اعتقدوا أن الأصنام تضر وتنفع فأجريت مجرى الناس { وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً } أي لا تستطيع هذه الأصنام نصر عابديها { وَلاَ أَنْفُسَهُمْ يَنصُرُونَ } أي ولا ينصرون أنفسهم ممن أرادهم بسوء، فهم في غاية العجز والذلة فكيف يكونون آلهة؟ { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَتَّبِعُوكُمْ } أي أن الأصنام لا تجيب إذا دعيت إلى خير أو رشاد لأنها جمادات { سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَٰمِتُونَ } أي يتساوى في عدم الإِفادة دعاؤكم لهم وسكوتكم قال ابن كثير: يعني أن هذه الأصنام لا تسمع دعاء من دعاها، وسواء لديها من دعاها ومن دحاها كما قال إبراهيم

السابقالتالي
2 3 4