الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَاقَّةُ } * { مَا ٱلْحَآقَّةُ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحَاقَّةُ } * { كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِٱلْقَارِعَةِ } * { فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ } * { وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } * { سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } * { فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ } * { وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَٱلْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ } * { فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً } * { إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي ٱلْجَارِيَةِ } * { لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } * { فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ } * { وَحُمِلَتِ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً } * { فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } * { وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ } * { وَٱلْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَآئِهَآ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } * { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ } * { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقْرَءُواْ كِتَـٰبيَهْ } * { إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ } * { فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } * { فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } * { قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ } * { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ } * { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يٰلَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَٰبِيَهْ } * { وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ } * { يٰلَيْتَهَا كَانَتِ ٱلْقَاضِيَةَ } * { مَآ أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ } * { هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ } * { خُذُوهُ فَغُلُّوهُ } * { ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ صَلُّوهُ } * { ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ } * { إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ ٱلْعَظِيمِ } * { وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } * { فَلَيْسَ لَهُ ٱلْيَوْمَ هَا هُنَا حَمِيمٌ } * { وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ } * { لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ ٱلْخَاطِئُونَ } * { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ } * { وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ } * { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } * { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ } * { وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } * { تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ } * { لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ } * { ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ } * { فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } * { وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } * { وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُمْ مُّكَذِّبِينَ } * { وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } * { وَإِنَّهُ لَحَقُّ ٱلْيَقِينِ } * { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ }

اللغَة: { ٱلْحَاقَّةُ } القيامة سيمت حاقة لأنها حقٌّ مقطوع بوقوعها { صَرْصَرٍ } شديدة الصوت والبرد { حُسُوماً } متتابعة لا تنقطع من الحسم وهو القطع قال الشاعر:
" فدارت عليهم فكانت حُسوماً "   
{ رَّابِيَةً } زائدة في الشِّدة والعذاب { وَاهِيَةٌ } ساقطة القوة، ضعيفة متراخية من قولهم: وهي البناء اذا ضعف وتداعى للسقوط { هَآؤُمُ } اسم فعل أمر بمعنى خذوا { قُطُوفُهَا } جمع قطف وهو ما يجتنى من الثمر ويقطف { غِسْلِينٍ } صديد أهل النار قال الكلبي: هو ما يسيل من أهل النار من القيح والصديد والدم إذا عذبوا فهو { غِسْلِينٍ } فعلين من الغسل { ٱلْوَتِينَ } عرق متصل بالقلب إذا انقطع مات صاحبه ويسمى الأبهر وفي الحديث " ما زالت أكلةُ خيبر تعاودني فهذا أوان انقطاع أبهري " { حَسْرَةٌ } ندامة عظيمة.

التفسِير: { ٱلْحَاقَّةُ } اسم للقيامة سميت بذلك لتحقق وقوعها، فهي حقٌ قاطع، وأمر واقع، لا شك فيه ولا جدال { مَا ٱلْحَآقَّةُ }؟ التكرار لتفخيم شأنها، وتعظيم أمرها، وكان الأصل أن يقال: ما هي؟ ولكنه وضع الظاهر موضع الضمير زيادة في التعظيم والتهويل { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحَاقَّةُ }؟ وما أعلمك يا محمد ما هي القيامة؟ إنك لا تعلمها إذ لم تعاينها، ولم تر ما فيها من الأهوال، فإِنها من العظم والشدة بحيث لا يحيط بها وصف ولا خيال، وهذا على طريقة العرب فإنهم إِذا أرادوا تشويق المخاطب لأمرٍ أتوا بصيغة الاستفهام يقولون: أتدري ماذا حدث؟ والآية من هذا القبيل زيادة في التعظيم والتهويل كأنه قال: إِنها شيء مريع وخطب فظيع.. ثم بعد أن عظَّم أمرها وفخَم شأنها، ذكر من كذَّب بها وما حلَّ بهم بسبب التكذيب، تذكيراً لكفار مكة وتخويفاً لهم فقال { كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِٱلْقَارِعَةِ } أي كذب قوم صالح، وقوم هود بالقيامة، التي تقرع القلوب بأهوالها { فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ } أي فأمَّا ثمود - قوم صالح - فأُهلكوا بالصيحة المدمرة، التي جاوزت الحدَّ في الشدة قال قتادة: هي الصيحة التي خرجت عن حدِّ كل صيحة { وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ } أي وأما - قوم هود - فأُهلكوا بالريح العاصفة ذات الصوت الشديد وهي الدَّبور وفي الحديث " نصرتُ بالصبا، وأُهلكت عادٌ بالدَّبور " { عَاتِيَةٍ } أي متجاوزة الحدَّ في الهبوب والبرودة، كأنها عتت على خزانها فلم يتمكنوا من ضبطها، قال ابن عباس: ما أرسل الله من ريح قط إِلا بمكيال، ولا أنزل قطرة قطُّ إِلا بمكيال، إِلا يوم نوحِ ويوم عاد، فإِن الماء يوم نوح طغى على الخزان فلم يكن لهم عليه سبيل ثم قرأ { إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي ٱلْجَارِيَةِ } وإِن الريح عتت على خزانها فلم يكن لهم عليها سبيل ثم قرأ { بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } { سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً } أي سلطها الله عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيام متتابعة لا تفتر ولا تنقطع { فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ } أي فترى أيها المخاطب القوم في منازلهم موتى، لا حراك بهم { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } أي كأنهم أصول نخلٍ متآكلة الأجواف قال المفسرون: كانت الريح تقطع رؤوسهم كما تقطع رءوس النخل، وتدخل من أفواههم وتخرج من أدبارهم حتى تصرعهم، فيصبحوا كالنخلة الخاوية الجوف { فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ }؟ أي فهل ترى أحداً من بقاياهم؟ أو تجد لهم أثراً؟ لقد هلكوا عن آخرهم كقوله تعالى { فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ } { وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ } أي وجاء فرعون الجبار، ومن تقدَّمه من الأمم الطاغية التي كفرت برسلها { وَٱلْمُؤْتَفِكَاتُ } أي والأمم الذين انقلبت بهم ديارهم - قرى قوم لوط - حيث جعل الله عاليها سافلها قال الصاوي: { ٱلْمُؤْتَفِكَاتُ } أي المنقلبات وهي قرى قوم لوط، التي اقتلعها جبريل ورفعها على جناحه قرب السماء ثم قلبها، وكانت خمس قرى { بِالْخَاطِئَةِ } أي بالفعلة الخاطئة المنكرة، وهي الكفر والعصيان { فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبِّهِمْ } أي فعصى فرعون رسول الله موسى، وعصى قوم لوطٍ رسولهم لوطاً { فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً } أي فأخذهم الله أخذةً زائدةً في الشدة، على عقوبات من سبقهم، كما أن جرائمهم زادت في القبح والشناعة على سائر الكفار { إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي ٱلْجَارِيَةِ } أي لما تجاوز الماء حدَّه حتى علا كل شيء وارتفع فوقه حملناكم في السفينة { لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً } أي لنجعل تلك الحادثة عظةً للناس وعبرة، تدل على انتقام الله ممن كذَّب رسله { وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } أي وتحفظها وتذكرها أذن واعية للمواعظ، تنتفع بما تسمع قال القرطبي: والمقصود من قصص هذه الأمم وذكر ما حلَّ بهم من العذاب، زجر هذه الأمة عن الاقتداء بهم في معصية الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا ختم الآية بقوله { وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } قال قتادة: الواعية هي التي عقلت عن الله وانتفعت بما سمعت من كتاب الله عزّ وجّل.

السابقالتالي
2 3 4 5 6