الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً } * { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } * { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ ٱللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً } * { وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَٱللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاَتُ ٱلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً } * { ذَلِكَ أَمْرُ ٱللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً } * { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ } * { لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ ٱللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَآ آتَاهَا سَيَجْعَلُ ٱللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً } * { وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً } * { فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً } * { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَدْ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً } * { رَّسُولاً يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ ٱللَّهُ لَهُ رِزْقاً } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ ٱلأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِّتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً }

اللغَة: { ٱلْعِدَّةَ } المدة التي تحتبس فيها المرأة لمعرفة براءة رحمها { أَحْصُواْ } اضبطوا بطريق العَدَد { حَسْبُهُ } كافية { وُجْدكم } طاقتكم ووسعكم { ٱرْتَبْتُمْ } شككتم { كَأِيِّن } كثير { عَتَتْ } تكبرت وتجبرت وأعرضت { نُّكْراً } منكراً شنيعاً وفظيعاً { خُسْراً } خساراً وهلاكاً.

سَبَبُ النّزول: أ- روى البخاري أن عبد الله بن عمر طلَّق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيَّظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: ليراجِعْها ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض فتطهر، فإِن بدا له أن يطلِّقها فليطلِّقها طاهراً قبل أن يمسَّها، فتلك العدة التي أمر بها الله عز وجل.

ب - وروي عن أنس قال طلَّق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة فأتت أهلها فأنزل الله تعالى { يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } فقيل له: راجعْها فإِنها صوَّامة قوَّامة، وهي من أزواجك ونسائك في الجنة.

ج - وروي أنه لما نزل قوله تعالىوَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ } { البقرة: 228] قال جماعة من الصحابة يا رسول الله: فما عدة من لا قرء لها من صغر أو كِبَر فنزلت { وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ.. } الآية.

التفسِير: { يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } الخطابُ للنبي صلى الله عليه وسلم والحكم عام له ولأمته، وخصَّ هو بالنداء صلى الله عليه وسلم تعظيماً له، كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم: يا فلان افعلوا أي افعل أنت وقومك، فهو نداء على سبيل التكريم والتعظيم قال القرطبي: الخطابُ للنبي صلى الله عليه وسلم خوطب بلفظ الجماعة { طَلَّقْتُمُ } تعظيماً وتفخيماً والمعنى: يا أيها النبي ويا أيها المؤمنون إِذا أردتم تطليق النساء { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } أي فطلقوهن مستقبلاتٍ لعدتهن، وذلك في الطهر، ولا تطلقوهن في الحيض قال مجاهد: أي طاهراً من غير جماع لقوله صلى الله عليه وسلم: " فليطلقها طاهراً قبل أن يمسَّها، فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يُطلَّق لها النساء " قال المفسرون: وإِنما نُهي عن طلاق المرأة وقت الحيض لئلا تطول عليها العدة فتتضرر، ولأن حالة الحيض منفِّرة للزوج، تجعله يتسرع في طلاقها بخلاف ما إِذا كانت طاهراً، وكونه لم يجامعها في ذلك الطهر، لئلا يحصل من ذلك الوطء حملٌ، فتنتقل العدة من الحيض لوضع الحمل وفي ذلك ضرر ظاهر { وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ } أي اضبطوها وأكملوها ثلاثة أقراء كاملة لئلا تختلط الأنساب { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ } أي خافوا الله ربَّ العالمين، بامتثال أوامره واجتناب نواهيه { لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ } أي لا تخرجوهن من مساكنهن، بعد فراقكم لهن إِلى أن تنقضي عدتهن { وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } أي ولا يخرجن من البيوت حتى تنقضي عدتهن، إِلا إِذا قارفت المطلقة عملاً قبيحاً كالزنى فتخرج لإِقامة الحد عليها قال في التسهيل: نهى الله سبحانه وتعالى أن يُخرج الرجلُ المرأة المطلَّقة من المسكن الذي طلقها فيه، ونهاها هي أن تخرج باختيارها، فلا يجوز لها المبيت خارجاً عن بيتها، ولا أن تغيب عنه نهاراً إِلا لضرورة التصرف، وذلك لحفظ النسب وصيانة المرأة، واختلف في الفاحشة التي تبيح خروج المعتدة فقيل: إِنها الزنى فتخرج لإِقامة الحد عليها، وقيل إِنه سوء الكلام مع الأصهار وبذاءة اللسان فتخرج ويسقط حقها من السكنى، ويؤيده قراءة " إِلا أن يفحشن عليكم " { وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ } أي وهذه الأحكام هي شرائع الله ومحارمه { وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } أي ومن يخرج عن هذه الأحكام، ويتجاوزها إِلى غيرها ولا يأتمر بها، فقد ظلم نفسه بتعريضها للعقاب، وأضرَّ بها حيث فوَّت على نفسه إِمكان إِرجاع زوجته إِليه قال الرازي: وهذا تشديدٌ فيمن يتعدى طلاق السنة، ومن يطلق لغير العدة { لاَ تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً } أي لا تعرف أيها السامع ماذا يحدث اللهُ بعد ذلك الطلاق من الأمر؟ فلعل الله يقلّب قلبه من بغضها إِلى محبتها، ومن الرغبة عنها إِلى الرغبة فيها، فيجعله راغباً في زوجته بعدما كان كارهاً لها قال ابن عباس: يريد الندم على طلاقها، والمحبة لرجعتها في العدة { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } أي فإِذا شارفن على انقضاء العدة وقاربن ذلك { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } أي فراجعوهنَّ إِلى عصمة النكاح مع الإِحسان في صحبتهن كما أمر الله، أو اتركوهن حتى تنقضي عدتهن فيملكن أنفسهن قال المفسرون: الإِمساك بالمعروف هو إِحسان العشرة وتوفية النفقة، من غير قصد المضارة في الرجعة لتطول عليها العدة، والفراق بالمعروف هو أداء الصَّداق، والمتعة عند الطلاق، والوفاء بالشروط مع توفية جميع حقوقها { وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ } أي وأشهدوا عند الطلاق أو الرجعة، شخصين من أهل العدالة والاستقامة من تثقون في دينهما وأمانتهما قال في البحر: وهذا الإِشهاد مندوبٌ إِليه عند أبي حنيفة كقوله تعالى

السابقالتالي
2 3 4 5