الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ ٱلإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِيۤ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَٰكُمْ خَٰلِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ } * { وَكَذٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ ٱلظَّٰلِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ } * { ذٰلِكَ أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَٰفِلُونَ } * { وَلِكُلٍّ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } * { وَرَبُّكَ ٱلْغَنِيُّ ذُو ٱلرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُمْ مَّا يَشَآءُ كَمَآ أَنشَأَكُمْ مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ } * { إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَآ أَنتُم بِمُعْجِزِينَ } * { قُلْ يَٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَٰقِبَةُ ٱلدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ } * { وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَٰمِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـٰذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَىٰ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ للَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَآئِهِمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } * { وَكَذٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَٰدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } * { وَقَالُواْ هَـٰذِهِ أَنْعَٰمٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَٰمٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَٰمٌ لاَّ يَذْكُرُونَ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا ٱفْتِرَآءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَٰجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ } * { قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُوۤاْ أَوْلَٰدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ ٱفْتِرَآءً عَلَى ٱللَّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ }

المنَاسَبَة: لما ذكر سبحانه أن البشر فريقان: مهتد وضال، وذكر أن منهم من شرح الله صدره وأنار قلبه فآمن واهتدى، ومنهم من اتبع الهوى وسار بقيادة الشيطان فضلّ وغوى، ذكر هنا أنه سيحشر الخلائق جميعاً يوم القيامة للحساب، لينال كلٌّ جزاءه العادل على ما قدّم في هذه الحياة.

اللغَة: { مَثْوَاكُمْ } مأواكم يقال ثوى بالمكان إِذا أقام فيه { يَقُصُّونَ } يحكون يقال قصَّ الخبر يقصُّه قصاً أي حكاه { ذَرَأَ } خلق { ٱلْحَرْثِ } الزرع { لِيُرْدُوهُمْ } الإِرداء: الإِهلاك يقال أرداهُ يرديه أي أهلكه { حِجْرٌ } الحِجر: الحرام وأصله المنع يقال حجره أي منعه والحِجْر: العقل سمي به لأنه يمنع عن القبائح قال تعالىهَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ } [الفجر: 5] { سَفَهاً } حماقة وجهالة والسَّفه: خفة العقل.

التفسِير: { وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } أي اذكر يوم يجمع الله الثقلَين: الإِنس والجن جميعاً للحساب قائلاً { يَامَعْشَرَ ٱلْجِنِّ قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ ٱلإِنْسِ } أي استكثرتم من إِضلالهم وإِغوائهم قال ابن عباس: أضللتم منهم كثيراً، وهذا بطريق التوبيخ والتقريع { وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ } أي وقال الذين أطاعوهم من الإِنس ربنا انتفع بعضنا ببعض قال البيضاوي: انتفع الإِنس والجن بأن دلوهم على الشهوات وما يتوصل به إِليها، وانتفع الجنُّ بالإِنس بأن أطاعوهم وحصّلوا مرادهم { وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِيۤ أَجَّلْتَ لَنَا } أي وصلنا إِلى الموت والقبر ووافينا الحساب، وهذا منهم اعتذارٌ واعترافٌ بما كان منهم من طاعة الشياطين واتباع الهوى وتحسر على حالهم { قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَاكُمْ } أي قال تعالى رداً عليهم النارُ موضع مقامكم وهي منزلكم { خَالِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } أي ماكثين في النار في حال خلودٍ دائم إِلا الزمان الذي شاء الله أن لا يخلدوا فيها قال الطبري: هي المدة التي بين حشرهم إلى دخولهم النار وقال الزمخشري: يُخلدون في عذاب النار الأبد كلَّه إلا ما شاء الله أي إلا الأوقات التي يُنقلون فيها من عذاب النار إِلى عذاب الزمهرير فقد رُوي أنهم يدخلون وادياً من الزمهرير فيتعَاوَوْن ويطلبون الرد إِلى الجحيم { إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ } أي حكيم في أفعاله عليم بأعمال عباده { وَكَذٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } أي كما متعنا الإِنس والجن بعضهم ببعض نسلّط بعض الظالمين على بعض بسبب كسبهم للمعاصي والذنوب قال القرطبي: وهذا تهديد للظالم إِن لم يمتنع من ظلمه سلّط الله عليه ظالماً آخر قال ابن عباس: إِذا رضي الله عن قوم ولّى أمرهم خيارهم، وإِذا سخط الله على قوم ولّى أمرهم شرارهم وعن مالك بن دينار قال: قرأتُ في بعض كتب الحكمة إِن الله تعالى يقول: " إِني أنا الله مالك الملوك، قلوب الملوك بيدي، فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة، ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة، فلا تشْغلوا أنفسكم بسبّ الملوك ولكن توبوا إِليَّ أعطّفْهم عليكم "

السابقالتالي
2 3 4 5