الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱعْتَبِرُواْ يٰأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ } * { وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمُ ٱلْجَلاَءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابُ ٱلنَّارِ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَآقِّ ٱللَّهَ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلِيُخْزِيَ ٱلْفَاسِقِينَ } * { وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ ٱلأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ } * { وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَٱلَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ }

اللغَة: { ٱلْحَشْرِ } الجمع، وسمي يوم القيامة يوم الحشر لأنه يوم اجتماع الناس للحساب والجزاء ومنهوَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ } [النمل: 17] أي جمع له الجنود { قَذَفَ } ألقى وأنزل بشدة { ٱلْجَلاَءَ } الخروج من الوطن مع الأهل والولد { شَآقُّواْ } عادوا وخالفوا { لِّينَةٍ } بكسر اللام النخلة القريبة من الأرض، الكريمة الطيبة، سميت لينة لجودة ثمرها وأنشد الأخفش:
قد شجاني الحمامُ حين تغنَّى   بفراق الأحباب من فوقِ لينة
{ أَوْجَفْتُمْ } الوجيف: سرعة السير يقال: أوجف البعير إِذا حثَّه وحمله على السير السريع { دُولَةً } بضم الدال الشيء الذي يتداول من الأموال، وينتقل من يد إلى يد { خَصَاصَةٌ } فقر واحتياج { غِلاًّ } حِقداً وضغينة.

سَبَبُ النّزول: لما نقض اليهود " بنو النضير " العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصرهم صلى الله عليه وسلم وأمر بقطع نخيلهم وإِحراقه إِهانةً لهم وإِرعاباً لقلوبهم، فقالوا يا محمد: ألست تزعم أنك نبيٌ؟ وأنك تنهى عن الفساد؟ فما بالك تأمر بقطع الأشجار وتحريقها؟ فأنزل الله تعالى { مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ.. } الآية.

التفسِير: { سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أي نزَّه الله تعالى ومجَّده وقدَّسه جميع ما في السماواتِ والأرض من ملك، وإِنسان، وجماد، وشجر كقوله تعالىوَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ } [الإِسراء: 44] قال ابن كثير: يخبر تعالى أن جميع ما في السماواتِ والأرض يسبح له ويُمجده ويقدِّسه ويُوحِّده { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أي وهو العزيز في ملكه، الحكيمُ في صنعه { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ } بيانٌ لبعض أثار قدرته تعالى الباهرة وعزته الظاهرة أي هو جلَّ وعلا الذي أخرج يهود بني النضير من مساكنهم بالمدينة المنورة { لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ } أي في أول مرة حُشروا وأخرجوا فيها من جزيرة العرب، إِذ لم يصبهم هذا الذل قبل ذلك قال البيضاوي: لما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة صالح " بني النضير " على ألاَّ يكونوا معه ولا عليه، فلما ظهر يوم بدر قالوا: إنه النبي المنعوتُ في التوراة بالنصرة لا تُردُّ له راية، فلما هُزم المسلمون يوم أُحد ارتابوا ونكثوا، وخرج " كعب بن الأشرف " في أربعين راكباً إِلى مكة وحالفوا " أبا سفيان " فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم " محمد بن مسلمة " أخا كعبٍ من الرضاعة فقتله غيلةً، ثم صبَّحهم بالكتائب وحاصرهم، حتى صالحوه على الجلاء، فجلا أكثرهم إِلى الشام، ولحقت طائفة بخيبر، فذلك قوله { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ } قال الألوسي: ومعنى { لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ } أن هذا أول حشرهم إِلى الشام أي أول ما حُشروا وأُخرجوا، ونبَّه بلفظ { أول } على أنهم لم يصبهم جلاءٌ قبله { مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ } أي ما ظننتم أيها المؤمنون أن يخرجوا من أوطانهم وديارهم بهذا الذل والهوان، لعزتهم ومنعتهم، وشدة بأسهم، حيث كانوا أصحاب حصون وعقار، ونخيلٍ وثمار { وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ } أي وظنوا أن حصونهم الحصينة تمنعهم من بأس الله، وتدفع عنهم عذابه وانتقامه قال البيضاوي: والأصل أن يُقال: وظنوا أن حصونهم تمنعهم أو مانعتهم من بأس الله، وتغييرُ النظم بتقديم الخبر وإِسناد الجملة إِلى ضميرهم للدلالة على فرط وثوقهم بكونها حصينة، بحيث ظنوا أنه لا يخرجهم منها أحد لأنهم في عزة ومنعة { فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ } أي فجاءهم بأسُ الله وعذابه من حيث لم يكن في حسابهم، ولم يخطر ببالهم { وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ } أي وألقى في قلوب بني النظير الخوف الشديد، مما أضعف قوتهم، وسلبهم الأمن والطمأنينة، حتى نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الحديث

السابقالتالي
2 3 4 5