الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ } * { أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ } * { ءَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ ٱلْخَالِقُونَ } * { نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ ٱلْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } * { عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَـٰلَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُولَىٰ فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ } * { أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ } * { ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ ٱلزَّارِعُونَ } * { لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ } * { إِنَّا لَمُغْرَمُونَ } * { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } * { أَفَرَءَيْتُمُ ٱلْمَآءَ ٱلَّذِي تَشْرَبُونَ } * { ءَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ ٱلْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنزِلُونَ } * { لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ } * { أَفَرَأَيْتُمُ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي تُورُونَ } * { أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنشِئُونَ } * { نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ } * { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } * { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } * { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } * { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } * { فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ } * { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } * { تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { أَفَبِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ } * { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } * { فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ } * { وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ } * { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـٰكِن لاَّ تُبْصِرُونَ } * { فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ } * { تَرْجِعُونَهَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } * { فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ } * { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } * { فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } * { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ } * { فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ } * { وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ } * { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ }

المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى الأشقياء المجرمين وأحوالهم في نار جهنم، ذكر هنا الأدلة والبراهين على قدرة الله ووحدانيته في بديع خلقه وصنعه، لتقوم الحجة على المنكر المكذب بوجود الله، وختم السورة الكريمة بالتنويه بذكر أهل السعادة، وأهل الشقاوة، والسابقين إِلى الخيرات، ليكون ذلك كالتفصيل لما ورد في أول السورة من الإِجمال، والإِشادة بذكر مآثر المقربين في البدء والمآل.

اللغَة: { تَفَكَّهُونَ } تفكَّه بالشيء تمتَّع به، ورجلٌ فَكه منبسط النفس غير مكترث بشيء { ٱلْمُزْنِ } السحاب جمع مُزْنة قال الشاعر:
ونحن كماء المُزن ما في نصابنا   كَهَامٌ ولا فينا يُعدُّ بخيل
{ تُورُونَ } أورى النار من الزناد قدحها { لِّلْمُقْوِينَ } المسافرين يقال أقوى الرجل إِذا دخل القواء وهو القفر، والقوى الجوع قال الشاعر:
وإِني لأختار القوى طاوي الحشا   محافظةً من أن يُقال لئيم
{ مُّدْهِنُونَ } المدهن: الذي ظاهره خلاف باطنة، كأنه شُبّه بالدهن في سهولة ظاهره ومنه المداهنة { مَدِينِينَ } مجزيين ومحاسبين من الدين بمعنى الجزاء { فَرَوْحٌ } الرَّوح بفتح الراء الاستراحة { رَيْحَانٌ } الريحان: كل مشموم طيب الريح من النبات.

التفسِير: { نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ } أي نحن خلقناكم أيها الناسُ من العدم، فهلاَّ تصدقون بالبعث؟ فإِن من قدر على البدء قادرٌ على الإِعادة { أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ } أي أخبروني عمَّا تصبُّونه من المنيّ في أرحام النساء { أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ ٱلْخَالِقُونَ }؟ أي هل أنتم تخلقون هذا المنيَّ بشراً سوياً، أم نحن بقدرتنا خلقناه وصوَّرناه؟! قال القرطبي: وهذا احتجاج على المشركين وبيانٌ للآية الأولى والمعنى إِذا أقررتم بأنا خالقوه لا غيرنا فاعترفوا بالبعث { نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ ٱلْمَوْتَ } أي نحن قضينا وحكمنا عليكم بالموت وساوينا بينكم فيه قال الضحاك: ساوى فيه بين أهل السماء والأرض، سواء في الشريف والوضيع، والأمير والصعلوك { وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } أي وما نحن بعاجزين { عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ } أي على أن نهلككم ونستبدل قوماً غيركم يكونون أطوع لله منكم كقوله تعالىإِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } [إبراهيم: 19] { وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ } أي ولسنا بعاجزين أيضاً أن نعيدكم يوم القيامة في خلقةٍ لا تعلمونها ولا تصل إِليها عقولكم، والغرضُ أن الله قادر على أن يهلكهم وأن يعيدهم وأن يبعثهم يوم القيامة، ففي الآية تهديد واحتجاج على البعث { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُولَىٰ } أي ولقد عرفتم أن الله أنشأكم من العدم بعد أن لم تكونوا شيئاً مذكوراً، فخلقكم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة { فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ } أي فهلا تتذكرون بأن الله قادر على إِعادتكم كما قدر على خلقكم أول مرة؟أَوَلاَ يَذْكُرُ ٱلإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً } [مريم: 67]؟! { أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ } هذه حجة أخرى على وحدانية الله وقدرته أي أخبروني عن البذر الذي تلقونه في الطين { أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ ٱلزَّارِعُونَ }؟ أي أأنتم تنبتونه وتنشئونه حتى يكون فيه السنبل والحبُّ أم نحن الفاعلون لذلك؟ فإِذا أقررتم أن الله هو الذي يخرج الحبَّ وينبت الزرع، فكيف تنكرون إِخراجه الأموات من الأرض؟ { لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً } أي لو أردنا لجعلنا هذا الزرع هشيماً متكسراً لا ينتفع به في طعام ولا غيره قال القرطبي: والحُطام الهشيم الهالك الذي لا يُنتفع به في مطعم ولا غذاء، فنبههم بذلك على أمرين: أحدهما: ما أولاهم به من النعم في زرعهم ليشكروه الثاني: ليعتبروا في أنفسهم فكما أنه تعالى يجعل الزرع حُطاماً إِذا شاء، كذلك يهلكهم إِذا شاء ليتعظوا فينزجروا { فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ } أي فظللتم وبقيتم تتفجعون وتحزنون على الزرع مما حلَّ به وتقولون { إِنَّا لَمُغْرَمُونَ } أي إنا لمحمَّلون الغرم في إِنفاقنا حيث ذهب زرعنا وغرمنا الحبَّ الذي بذرناه { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } أي بل نحن محرومون الرزق، غرمنا قيمة البذر، وحُرمنا خروج الزرع { أَفَرَأَيْتُمُ ٱلْمَآءَ ٱلَّذِي تَشْرَبُونَ } أي أخبروني عن الماء الذي تشربونه عذباً فراتاً لتدفعوا عنكم شدة العطش { أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ ٱلْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنزِلُونَ } أي هل أنتم الذين أنزلتموه من السحاب أم نحن المنزلون له بقدرتنا؟ قال الخازن: ذكَّرهم تعالى نعمته عليهم بإِنزال المطر الذي لا يقدر عليه إِلا اللهُ عز وجل { لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً } أي لو شئنا لجعلناه ماءً مالحاً شديد الملوحة لا يصلح لشرب ولا لزرع قال ابن عباس: { أُجَاجاً } شديد الملوحة وقال الحسن: مُرّاً زُعافاً لا يمكن شربه { فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ } أي فهلاّ تشكرون ربكم على نعمه الجليلة عليكم؟! وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إِذا شرب الماء قال

السابقالتالي
2 3 4 5