الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ } * { وَأَعْطَىٰ قَلِيلاً وَأَكْدَىٰ } * { أَعِندَهُ عِلْمُ ٱلْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ } * { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ } * { وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } * { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } * { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } * { وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ } * { ثُمَّ يُجْزَاهُ ٱلْجَزَآءَ ٱلأَوْفَىٰ } * { وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلْمُنتَهَىٰ } * { وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ } * { وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا } * { وَأَنَّهُ خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } * { مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ } * { وَأَنَّ عَلَيْهِ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُخْرَىٰ } * { وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ } * { وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ ٱلشِّعْرَىٰ } * { وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً ٱلأُولَىٰ } * { وَثَمُودَ فَمَآ أَبْقَىٰ } * { وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ } * { وَٱلْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ } * { فَغَشَّاهَا مَا غَشَّىٰ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكَ تَتَمَارَىٰ } * { هَـٰذَا نَذِيرٌ مِّنَ ٱلنُّذُرِ ٱلأُوْلَىٰ } * { أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ } * { لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ كَاشِفَةٌ } * { أَفَمِنْ هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ } * { وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ } * { وَأَنتُمْ سَامِدُونَ } * { فَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ وَٱعْبُدُواْ }

المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى في الآيات السابقة سفاهات المشركين وضلالاتهم في عبادتهم للأصنام، وميَّز بين المؤمنين والمجرمين، ذكر هنا نوعاً خاصاً من أهل الإِجرام، وختم السورة الكريمة ببيان ما حلَّ بالمكذبين من أنواع العذاب والدمار، تذكيراً للمشركين بانتقام الله من أعدائه المكذبين لرسوله.

اللغَة: { وَأَكْدَىٰ } قطع العطاء مأخوذ من الكُدية يقال لمن حفر بئراً ثم وجد صخرة تمنعه من إِتمام الحفر قد أكدى، ثم استعمله العرب لمن أعطى ولم يتمم، ولمن طلب شيئاً فلم يبلغ آخره قال الحطيئة:
فأعطى قليلاً ثم أكدى عطاءه   ومن يبذل المعروف في الناس يُحمد
{ وَأَقْنَىٰ } أعطاه الكفاية من المال ورضَّاه بما أعطاه قال الجوهري: قني الرجل يقنى مثل غني يغنى أي أعطاه الله ما يُقتنى من المال والنشب، وأقناه الله رضَّاه { ٱلشِّعْرَىٰ } الكوكب المضيء الذي يطلع بعد الجوزاء في شدة الحر { أَزِفَتِ } قربت قال كعب بن زهير:
بان الشباب وهذا الشيبُ قد أزفا   ولا أرى لشبابٍ بائنٍ خلفا
والآزفة القيامة سميت بذلك لقربها ودنوها { سَامِدُونَ } لاهون لاعبون، والسمودُ اللهو.

سَبَبُ النّزول: روي أن " الوليد بن المغيرة " جلس عند النبي صلى الله عليه وسلم وسمع وعظه، فتأثر قلبه بما سمع وكاد أن يُسلم، فعيَّره رجلٌ من المشركين وقال: تركت دين آبائك وضلَّلتهم وزعمت أنهم في النار؟! فقال الوليد: إِني خشيتُ عذاب الله، فضمن له الرجل إِن هو أعطاه شيئاً من ماله، ورجع إِلى شركه أن يتحمل عنه عذاب الله عز وجل، فأعطاه بعض الذي ضمن له ثم بخل ومنعه الباقي فأنزل الله { أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ * وَأَعْطَىٰ قَلِيلاً وَأَكْدَىٰ } الآيات.

التفسِير: { أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ } أي أخبرني يا محمد عن هذا الفاجر الأثيم الذي أعرض عن الإِيمان واتباع الهدى؟ { وَأَعْطَىٰ قَلِيلاً وَأَكْدَىٰ } أي وأعطى لصاحبه الذي عيَّره قليلاً من المال المشروط ثم بخل بالباقي قال مجاهد: نزلت في الوليد بن المغيرة { أَعِندَهُ عِلْمُ ٱلْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ } أي أعنده علمٌ بالأمور الغيبية حتى يعلم أن صاحبه يتحمل عنه العذاب؟ { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ } أي لم يُخبر بما في التوراة المنزلة على موسى { وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } أي وبما في صحف إِبراهيم الذي تمَّم ما أُمر به من طاعة الله وتبليغ رسالته، على وجه الكمال والتمام قال الحسن: ما أمره الله بشيء إِلا وفّى به كقوله تعالىوَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ } [البقرة: 124] { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } أي أن لا تحمل نفسٌ ذنب غيرها، ولا يؤاخذ أحدٌ بجريرة غيره، والآية ردٌّ على من زعم أنه يتحمل العذاب عن غيره كقوله تعالىوَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ }

السابقالتالي
2 3 4