الرئيسية - التفاسير


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ فَذَكِّرْ فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ } * { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ } * { قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُتَرَبِّصِينَ } * { أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بِهَـٰذَآ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } * { أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ } * { فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ } * { أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ ٱلْخَالِقُونَ } * { أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ } * { أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ ٱلْمُصَيْطِرُونَ } * { أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { أَمْ لَهُ ٱلْبَنَاتُ وَلَكُمُ ٱلْبَنُونَ } * { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ } * { أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ } * { أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلْمَكِيدُونَ } * { أَمْ لَهُمْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَاقِطاً يَقُولُواْ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ } * { فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ } * { يَوْمَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } * { وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } * { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ ٱلنُّجُومِ }

المنَاسَبَة: لما تقدم إِقسام الله تعالى على وقوع العذاب بالكافرين، وذكر أشياء من أحوال المعذبين والناجين، أمر تعالى رسوله بالتذكير، إِنذاراً للكافرين وتبشيراً للمؤمنين، وختم السورة الكريمة ببيان عاقبة المكذبين، وحفظ الله ورعايته لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.

اللغَة: { رَيْبَ ٱلْمَنُونِ } حوادث الدهر وصروفه، والمنون هو الدهر قال أبو ذؤيب:
أمنَ المنونِ وريْبه تتوجَّع   والدَّهر ليس بمعتب من يجزع
والمنون أيضاً الموتُ من المنِّ بمعنى القطع لأنه يقطع الأعمار { أَحْلاَمُهُمْ } عقولهم جمع حُلم وهو العقل { ٱلْمُصَيْطِرُونَ } المسيطر: المتسلط على الشيء { كِسْفاً } قطعة يقال: كسف بسكون السين وكسفة أي قطعة وجمعه كسف بفتح السين { مَّرْكُومٌ } متجمع ومتراكم بعضه فوق بعض.

التفسِير: { فَذَكِّرْ فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ } أي فذكّر يا محمد بالقرآن قومك وعظهم به، فما أنت بإِنعام الله عليك بالنبوة وإِكرامه لك بالرسالة { بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ } أي لست كاهناً تخبر بالأمور الغيبية من غير وحي، ولا مجنوناً كما زعم المشركون، إِنما تنطق بالوحي.. ثم أنكر عليهم مزاعمهم الباطلة في شأن الرسول فقال { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ } أي بل أيقول المشركون هو شاعر ننتظر به حوادث الدهر وصروفه حتى يهلك فنستريح منه؟ قال الخازن: وريبُ المنون حوادث الدهر وصروفه، وغرضهم أنه يهلك ويموت كما هلك من كان قبله من الشعراء، والمنون اسم للموت وللدهر وأصله القطع، سميا بذلك لأنهما يقطعان الأجل { قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُتَرَبِّصِينَ } أي قل لهم يا محمد: انتظروا بي الموت فإِني منتظر هلاككم كما تنتظرون هلاكي، وهو تهكم بهم مع التهديد والوعيد { أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بِهَـٰذَآ }؟ أي أم تأمرهم عقولهم بهذا الكذب والبهتان؟ قال الخازن: وذلك أن عظماء قريش كانوا يوصفون بالأحلام والعقول، فأزرى الله بعقولهم حين لم تثمر لهم معرفة الحق من الباطل، وهو تهكم آخر بالمشركين { أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } أي بل هم قوم مجاوزون الحد في الكفر والطغيان، والمكابرة والعناد { أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ } أي أم يقولون إن محمداً اختلق القرآن وافتراه من عند نفسه قال القرطبي: والتقوُّل تكلف القول، وإِنما يستعمل في الكذب في غالب الأمر، يقال: قوَّلتني ما لم أقل أي ادعيته عليَّ، وتقوَّل عليه أي كذب عليه { بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ } أي ليس الأمر كما زعموا بل لا يصدقون بالقرآن استكباراً وعناداً ثم ألزمهم تعالى الحجة فقال { فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ } أي فليأتوا بكلامٍ مماثلٍ للقرآن في نظمه وحسنه وبيانه، إِن كانوا صادقين في قولهم إِن محمداً افتراه، وهو تعجيزٌ لهم مع التوبيخ { أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ } أي هل خُلقوا من غير ربٍ ولا خالق؟ قال ابن عباس: من غير ربٍ خلقهم وقدَّرهم { أَمْ هُمُ ٱلْخَالِقُونَ } أي أم هم الخالقون لأنفسهم، حتى تجرءوا فأنكروا وجود الله جل وعلا؟ { أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ } أي أم هم خلقوا السماوات والأرض؟ وإِنما خصَّ السماواتِ والأرض بالذكر من بين سائر المخلوقات لعظمها وشرفها، ثم بيَّن تعالى السبب في إِنكارهم لوحدانية الله فقال { بَل لاَّ يُوقِنُونَ } أي بل لا يصدقون ولا يؤمنون بوحدانية الله وقدرته على البعث ولذلك ينكرون الخالق قال الخازن: ومعنى الآية هل خُلقوا من غير شيءٍ خلقهم فوجدوا بلا خالق وذلك مما لا يجوز أن يكون، لأن تعلق الخلق بالخالق ضروري، فإِن أنكروا الخالق لم يجز أن يوجدوا بلا خالق، أم هم الخالقون لأنفسهم؟ وذلك في البطلان أشدُّ، لأن ما لا وجود له كيف يخلق؟ فإِذا بطل الوجهان قامت الحجة عليهم بأن لهم خالقاً فليؤمنوا به، وليوحدوه، ولْيعبدوه، ولْيوقنوا أنه ربهم وخالقهم { أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ }؟ أي أعندهم خزائن رزق الله ورحمته حتى يعطوا النبوة من شاءوا ويمنعوها عمن شاءوا؟ قال ابن عباس: { خَزَآئِنُ رَبِّكَ } المطر والرزقُ وقال عكرمة: النبوة { أَمْ هُمُ ٱلْمُصَيْطِرُونَ }؟ أي أم هم الغالبون القاهرون حتى يتصرفوا في الخلق كما يشاءون؟ لا بل الله عز وجل هو الخالق المالك المتصرف وقال عطاء { أَمْ هُمُ ٱلْمُصَيْطِرُونَ } أم هم الأرباب فيفعلون ما يشاءون ولا يكونون تحت أمر ولا نهي؟ { أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ }؟ أي أم لهم مرقى ومصعد إِلى السماء يستمعون فيه كلام الملائكة والوحي فيعلمون أنهم على حقٍّ فهم به مستمسكون؟ { فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } أي فليأت من يزعم ذلك بحجة بينة واضحة على صدق استماعه كما أتى محمد بالبرهان القاطع.

السابقالتالي
2 3 4